مصريات على الإنترنت: بصمة مؤثرة

Last modified
Thu, 03/16/2023 - 01:06
Image
مصريات على الإنترنت

 

 

رصد وتحليل: سارة الشريف

مراجعة وتحرير: منال حسن

مراجعة لغوية وتنسيق: خالد حسني

 

 

 

مقدمة

قد يعتقد البعض أن أحاديث الجنس، والختان، والحريات الاقتصادية والاجتماعية للنساء، والإجهاض، والحرية الجنسية، والعنف ضد النساء، لم تظهر في مصر إلا بظهور الإنترنت. هو اعتقاد خاطئ بالطبع، لكن هذا باختصار ما فعلته الإنترنت. أعطت الإنترنت للأفراد صوتا، ومساحة مشتركة، ووضعت عدسة مكبرة على كل الآراء –أو معظمها على الأقل– إلى أن تدخلت الخوارزميات للتحكم في تقدير حجم المساحة التي يحتلها كل صوت على الإنترنت.

الإنترنت لم تساعد فقط في تمكين النساء وطرح قضايا الأقليات على النطاق العام، لكنها مكنت أيضا لخطاب الكراهية والتحريض وكراهية النساء، والابتزاز والتنمر الرقمي خاصة مع وجود آليات للتعمية واستخدام أسماء مستعارة.

الإنترنت ليست العالم المثالي، أو اليوتوبيا، التي يمكنها أن تخلق واقعا افتراضيا مثاليا، جاعلة العالم قرية صغيرة، كما تخيلها البعض. كل ما فعلته الإنترنت، هو عكس واقعنا المُعاش على الواقع الافتراضي. لم نصبح قرية صغيرة، بل صرنا جُزرا متناحرة تحتمي من بعضها البعض وتحاول تكوين تحالفات وشراكات تمكن أصواتها من السيادة على الفضاء الرقمي!

أعطت الإنترنت لكل مستخدم فيها الحرية ليكون ويقول ما يريد. بالطبع تطور الأمر في السنوات الأخيرة بعد محاولات تقييد الإنترنت وفرض سياسات معينة على منصات التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية في كل منطقة جغرافية! لكن إمكانية تحدي تلك العقبات ما زالت متاحة، كما ما تزال كل أدوات إلحاق الضرر متاحة أيضا. في ٢٠١٧ وأثناء الاحتفال بالذكرى الواحدة والثلاثين لنشأة الإنترنت، قال تيم بيرنز –وهو أحد رواد إنشاء الإنترنت– ”أن الشبكة العنكبوتية لا تعمل لصالح النساء والفتيات“، وذلك بسبب زيادة موجات خطاب الكراهية والتحريض على العنف ضد النساء على الإنترنت.

كانت الإنترنت بوابة إلى واقع مختلف من الممكن تحقيقه، فرص وتطور غير محدود، في مصر كما في أي بلد أخرى. إلا أنها مثل أي مساحة أخرى، كان على النساء أن تبذل مجهودا مضاعفا حتى تستطعن الوصول إليها، واستخدامها، والاستفادة منها بالإضافة إلى تبني آليات تمكنهن من التعامل مع العنف الموجه إليهن عبر الإنترنت. المعوقات مثل تكلفة الإنترنت، وزيادة عدم القبول الاجتماعي لاستخدام الفتيات للإنترنت كلما ابتعدنا عن العاصمة، وحرمان بعضهن من الوصول إليها بدعوى الحفاظ عليهن، أثرت بشكل ملحوظ على تمثيل النساء على الإنترنت. تشير الإحصاءات أن نسبة النساء على الإنترنت لا تتجاوز ٣٢٪ من عدد السكان في مصر وهي النسبة الأعلى على مستوى الشرق الاوسط.

لا تتجاوز نسبة النساء –أو من يعرفن أنفسهن كنساء– في مصر حتى بداية ٢٠٢٢، نسبة ٣٦٫٤٪ من عدد مستخدمي فيسبوك، و٣٤٫٧٪ ليوتيوب، و٣٨٫٢٪ لإنستجرام، و٢٨٫٣٪ للينكد إن، و١٢٫٨٪ لتويتر، بينما تتجاوز نسبتهن نسبة الذكور في تطبيق وحيد وهو سناب شات لتصل إلى ٦٧٫١٪.

واحدة من كل خمسة نساء في مصر تعتقد أن الإنترنت مساحة غير مناسبة لها، وحتى وإن بدت مفيدة لها ويمكنها الاستفادة منها، إلا إن استخدامها للإنترنت قد لا يلقى قبولا وموافقة من العائلة. وفي دراسة أجرتها مؤسسة إنتل على عدد من مستخدمات الإنترنت في مصر وجدت أن فرص النساء في الاستفادة من الإنترنت تتضاعف إذا مر على استخدامها للإنترنت أكثر من خمس سنوات، إلا أن نسبة مستخدمات الإنترنت اللاتي تجاوزن الخمس سنوات في مصر على الإنترنت لم تتجاوز الستة بالمئة من عينة الدراسة4. تلعب القيود الاجتماعية في مصر دورا كبير في إمكانية وصول النساء للإنترنت، واستغلالها بشكل يخدم مصالحهن. بالرغم من ذلك لا تواجه كل النساء نفس العقبات في استخدامهن للإنترنت، فبعضهن قد تعاني من صعوبة وصول الإنترنت في محل إقامتهن، أو عدم القدرة المالية على تحمل تكلفة اشتراك الإنترنت، أو من الأمية التقنية، وغياب القبول الاجتماعي.

بالإضافة إلى الأمية التقنية، يمثل العائق اللغوي حاجزا أمام تعاطي وتفاعل المستخدمات مع الإنترنت، خاصة أن المحتوى العربي لا يتجاوز الواحد بالمئة من محتوى الإنترنت.

هذه الدراسة

تلقي هذه الدراسة الضوء على التغييرات التي طرأت على خطاب النساء على الإنترنت، لرصد الاختلاف في طبيعة هذا الخطاب الموجه، وإلى أي مدى تغيرت المبادرات المنطلقة عبر الإنترنت، في محتواها ومداها. كما تهدف الدراسة إلى الإجابة عن عدة اسئلة حول أثر الإنترنت في تمكين النساء اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وماهي ردود فعل المجتمع عامة، ومجتمع الرجال خاصة في الواقع الافتراضي والواقع المُعاش، ودور السلطة في هذا التمكين أو عدمه ومردوده على حرية النساء الاجتماعية والاقتصادية.

لماذا عشر سنوات؟

يبدأ الخط الزمني لهذه الدراسة من ٢٠١١ وحتى نهاية ٢٠٢٠، ليستعرض تاريخا موجزا عن الكيفية التي استخدمت بها النساء الإنترنت خلال هذه السنوات، بداية من لحظات الانتصار الأولى لثورة ٢٥ يناير وتجاوز الحدود المفروضة، وصولا إلى ٢٠٢٠ وإقرار العديد من القوانين المقيدة لحرية التعبير على الإنترنت، مع وضع منصات التواصل الاجتماعي ومستخدميه من النساء تحت رقابة النيابة العامة بهدف الحفاظ على قيم الأسرة المصرية.

تبدأ الدراسة في رصد عدد من المبادرات التي أطلقتها وتبنتها النساء بداية من ٢٠١١ عام الاستثناء وصولا إلى ٢٠٢٠. بالرغم من ذلك فإن طبيعة المبادرات التي انطلقت في الأعوام الأولى من الثورة المصرية اختلفت كليا شكلا ومضمونا وخطابا عن المبادرات التي جاءت بعدها. على عكس الهزيمة السياسية، اشتد عود الخطاب النسوي بعد تعثر دام سنوات، وشهدت تلك السنوات العشر العديد من السجالات العلنية والنقاشات والمضايقات والاستهداف، إلا أنه في النهاية ومع حلول عام ٢٠٢٠ اختلف الخطاب النسوي كلية عن السنوات الأولى، ليصبح أكثر جرأة واستحقاقا، مشتبكا مع عدد كبير من الموضوعات الاجتماعية والاقتصادية وليست فقط الموضوعات السياسية كما حدث في السنوات الأولى للثورة.

منهجية البحث

اعتمدت الباحثة على تحليل محتوى منصات التواصل الاجتماعي (تويتر – فيسبوك – إنستجرام) بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية والمقابلات الصحفية الخاصة لمؤسسات تلك المبادرات لرصد المبادرات التي أطلقتها وتبنتها النساء خلال عشر سنوات. بالإضافة إلى تحليل خطاب المجتمعات النسوية، وتحليل ردود الأفعال تجاه المبادرات من قبل المجتمع، السلطة، منظمات المجتمع المدني.

تعريفات

المبادرات محل البحث هي المبادرات التي أطلقتها نساء مصريات أو شاركن في إطلاقها أو مبادرات تبنتها نساء مصريات وتواجدت على مساحة الإنترنت، وليست المبادرات النسوية بشكل عام، أو المبادرات التي تتحدث عن قضايا النساء على الإنترنت.

النساء في هذه الدراسة هن كل من يطلقن على أنفسهن نساء، أو يعرفن أنفسهم كنساء، أو النساء المعرفات كنساء بالميلاد.

الإنترنت في المدة من ٢٠١١ إلى ٢٠٢٠

رصد تقرير صادر عن وزارة الإتصالات في ٢٠١٥ لقياس التحول الرقمي في مصر، الفجوة الجندرية في استخدام الإنترنت بين الذكور والإناث في المدة من ٢٠١٠ إلى ٢٠١٥. فقد أشار التقرير إلى انخفاض نسبة مستخدمات الإنترنت في عام ٢٠١١ عن العامين ٢٠١٠ و٢٠٠٩. حيث مثلت مستخدمات الإنترنت في ٢٠١١ نسبة ٤١٫٣٪ من عدد مستخدمي الإنترنت مقارنة بنسبة ٤٥٫٢٪ في ٢٠١٠. وبينما ارتفعت النسبة في ٢٠١٢ لتصل إلى ٤٦٪ من نسبة مستخدمي الإنترنت في مصر، إلا إنها عادت لتنخفض من جديد فتصل إلى ٤٣٫٥٪ في ٢٠١٣.

في السطور القادمة نرصد كيف استخدمت النساء الإنترنت وسيلة للمقاومة والتمكين، من أجل الحصول على مساحة أكبر من الحقوق والفرص، ووسيلة للتعليم والتوعية ومحاولة لفتح آفاق وفرص جديدة في أسواق العمل.

٢٠١١

شهد عام ٢٠١١ اندلاع ثورة ٢٥ يناير المصرية، والتي كانت استخدام الإنترنت أحد وسائلها في محاولة لتحدي الرقابة التقليدية واكتساب مساحات جديدة. وشهد نفس العام أول محاولة ناجحة للقطع الكامل للإنترنت في مصر في ٢٨ يناير، في محاولة من النظام الأسبق لاحتواء موجات الغضب والتظاهرات التي اندلعت وقتها في كل أنحاء الجمهورية، وفي محاولة لتقليص الأثر الرقمي في تأجيج تلك التظاهرات. وفي هذا العام أيضا انخفضت نسبة مستخدمات الإنترنت في مصر بنسبة كبيرة وصلت إلى ٤١٪ عن العام الأسبق.

بسبب طبيعة هذا العام، فإن معظم المبادرات النسوية التي ساهمت الإنترنت بشكل مباشر فيها كانت تشتبك بشكل أساسي مع الأحداث المشتعلة في ميدان التحرير وميادين معظم المحافظات المصرية.

أبرز الفعاليات التي جرى رصدها وساهمت فيها الحركات النسوية أو استخدمت فيها النساء الإنترنت للدفاع عن حقوقهن، جاءت على خلفية الاعتداءات التي تعرضت لها النساء في الشارع خلال الفعاليات والأحداث السياسية في الشارع المصري.

الإنترنت في مواجهة الاعتداءات الجنسية

رغم أن التحرش الجنسي لم يكن ظاهرة جديدة، لكنه وصل ذروته في فبراير ٢٠١١ والشهور التي تلته. بدأ الحديث عن التحرش الجنسي بعد أن ظهرت لورا لوجان مراسلة «سي بي إس» في إحدى البرامج التلفزيونية لتروي كيف اعتُدي عليها ليلة تنحي مبارك، تلاها بعد ذلك سلسلة من الاعتداءات على النساء في ميدان التحرير من قبل متظاهرين أو مارة أو قوات الأمن.

في هذا الإطار سنركز على ثلاثة أمثلة استطاعت فيها النساء استخدام التقنية في فرض قضاياهن على الرأي العام، وتشكيل قوة ضاغطة للتعريف بالضرر الواقع عليهن.

سميرة إبراهيم

في ٩ مارس ٢٠١١، داهمت قوات الجيش الاعتصامات التي كانت مقامة بميدان التحرير في ذلك الوقت، لتلقي القبض على عدد من النشطاء والناشطات. خلال ذلك جرى الاعتداء على الفتيات والنساء المقبوض عليهن، ومنهن سميرة إبراهيم التي خرجت لاحقا لتعلن تعرضها لاختبار كشف عذرية على يد طبيب بالسجن الحربي.

بالتعاون مع عدد من المبادرات والنشطاء الرقميين، استطاعت سميرة توثيق ما تعرضت له، ورفعت دعوى قضائية ضد الانتهاك الواقع عليها أمام القضاء العسكري. أدت الحملة الرقمية إلى الضغط من أجل النظر في شكوى سميرة إبراهيم، حيث نظرت المحكمة العسكرية القضية. بالتوازي مع حملة الدعم التي انطلقت لدعم سميرة إبراهيم.

في محاولة لاحتواء الأزمة، أصدر رئيس هيئة القضاء العسكري قرارا بمنع النشر في القضية إعلاميا، وفي ذلك الوقت أُطلقت صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم سميرة باﻹضافة إلى إطلاق وسم (هاشتاج) ‎#supportsamira من أجل تحدي هذا المنع.

خريطة التحرش الجنسي

تأسست خريطة التحرش في نهاية عام ٢٠١٠، وهي مبادرة تطوعية تهدف إلى إنهاء التقبل المجتمعي للتحرش الجنسي في مصر. بدأت هذه المبادرة عملها بإنشاء خط ساخن يستقبل البلاغات حول التحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء في مصر، وخريطة تفاعلية على موقع بالمبادرة تُحدث أولا بأول حسب مناطق بلاغات التحرش التي يستقبلها الخط الساخن، ومن ثم تُصنف المناطق حسب شدة خطورتها على النساء وتنظم خطة عمل للحد من انتشار هذه الظاهرة في تلك المناطق.

في يونيو ٢٠١١، دعت مبادرة خريطة التحرش الجنسي إلى يوم للتغريد والتدوين حول ما تتعرض له النساء من اعتداءات جنسية في الشارع المصري، لزيادة الوعي والاهتمام بهذه الظاهرة. وقد استجاب لتلك المبادرة العديد من النساء والفتيات اللاتي تشجعن للمرة الأولى لرواية ما يتعرضن له يوميا من تحرش جنسي في الشارع المصري.

سوبر ماما 

أسست كل من ياسمين المهيري وزينب سمير موقع سوبر ماما الذي خرج للنور في ١٠ يونيو ٢٠١١، ليصبح أول منصة متخصصة باللغة العربية موجهة للأمهات قبل وأثناء وبعد الإنجاب في الدول الناطقة بالعربية. هدفت مؤسسات المنصة إلى أن يصبح الموقع أداة في متناول الأمهات للتعامل مع تحديات وتغيرات الأمومة ومشقاتها. نالت مؤسسات سوبر ماما العديد من الجوائز والتدريبات التي مكنتهن من الحفاظ على استمرار المشروع وتطويره ليصبح منصة لكل النساء المقبلات على الإنجاب. وعلى عكس العديد من المواقع والمنتديات الخاصة بتجارب الأمومة والإنجاب، استعان موقع سوبر ماما بالمتخصصين والأطباء في مجالاتهم لمراجعة المحتوى المنشور على الموقع.

خصص موقع سوبر ماما الذي أسسه وأداره فريق من النساء، أقسام تهتم بإلقاء الضوء على دور الآباء والأزواج في مدة الحمل والإنجاب ورعاية الصغير، وحاول عرض مفهوم الأبوة من منظور الرجل. في الشهر الأول من إطلاق الموقع تجاوز عدد المشتركات والمشتركين ٢٠٠٠ عضوة وعضو، ووصل معدل زيارة الموقع إلى ٢٠ ألف زائرة وزائر.

انتفاضة المرأة في العالم العربي

انطلقت مبادرة انتفاضة المرأة في الوطن العربي عبر صفحات فيسبوك في أكتوبر ٢٠١١، كمبادرة نسوية تحمل شعار معًا من أجل نساء ينعمن بالحرية، الاستقلالية، والأمان في العالم العربي. أعلنت المبادرة التي تجاوز عدد المتابعين لصفحتها على فيسبوك ١١١ ٣٧٩ متابع، التزامها بنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبأنها مساحة علمانية حرة للحوار البناء المناصر لحقوق المرأة الإنسانية وحريتها واستقلاليتها في العالم العربي.

شارك في تأسيس المبادرة الرقمية أربع نساء من ثلاث دول عربية: مصر، ولبنان، وفلسطين، وهن سالي ذهني، ويلدا يونس، وديالا حيدر، وفرح برقاوي. اعتمدت المبادرة على العمل التطوعي بالكامل، وحملت بعدا تضامنيا مع كل قضايا المرأة العربية والذي عكس تشابه النضال والمعوقات، كما عكست المبادرة في تداولها العديد من الأخبار وتبنيها لعدد من الحملات والمبادرات بعدا سياسيا وحقوقيا قائما على دعم النساء ضد الأنظمة الأبوية سواء تمثلت في الأسرة أو رجال الدين أو السلطة! اهتمت مبادرة انتفاضة المرأة في الوطن العربي بالدعوة إلى تغيير القوانين التي تستهدف تهميش النساء وإقصائهن بالإضافة إلى الدعوة إلى مشاركة النساء في وضع الدساتير في دول الربيع العربي.

اكتسبت المبادرة شهرة واسعة في أكتوبر ٢٠١٢، بعد عام من تأسيسها حين أطلقت حملة ”أنا مع انتفاضة المرأة في الوطن العربي لأن …“ والتي احتوت على صور للمشاركين والمشاركات مع لافتة مكتوب عليها سبب تأييدهم/ن للمبادرة. أثارت صور بعض المشاركات في الحملة غضب العديد من مستخدمي فيسبوك مما دفعهم إلى تنظيم حملات اعتمدت على نشر خطاب الكراهية والعنف على صفحة المبادرة على فيسبوك، والتعليق الهجومي والسلبي على المنشورات الموجودة على الصفحة. كما حذفت إدارة فيسبوك إحدى صور المشاركات التي أثارت الجدل بعد أن بلّغ المعارضون عنها باعتبارها محتوى مسيئ، وتعليق حسابات عدد من مشرفات الصفحة.

بعد الهجوم الذي تعرضت له مبادرة انتفاضة المرأة في العالم العربي على فيسبوك، دشّنت المبادرة حملة مضادة استهدفت الضغط على إدارة فيسبوك للتراجع عن إلغاء المنشور موضع الأزمة، وفك الحظر عن مشرفات الصفحة. شهدت تلك الحملة تضامنا واسعا من مختلف المنظمات والمبادرات الحقوقية والنسوية بالإضافة إلى الأفراد من مختلف الجنسيات والأطياف ومشاركة عدد من المؤثرين والفنانين في التضامن مع مبادرة انتفاضة المرأة في العالم العربي. نتيجة للانتشار الواسع لحملة «انتفاضة المرأة العربية» وحملة التضامن الضخمة التي صاحبتها، اضطرت إدارة فيسبوك في النهاية إلى التراجع عن حذف المنشور المثير للجدل وإعادة صلاحيات مشرفة الصفحة.

نظمت مبادرة انتفاضة المرأة في العالم العربي العديد من الحملات التضامنية مع النساء في أغلب الدول العربية مثل تونس، ومصر، وليبيا، ولبنان، والمغرب، والسودان منذ بدايتها في ٢٠١١، مما أعطاها زخما وانتشارا إقليميا وجمهورا متنوعا جغرافيا. على سبيل المثال، دعت المبادرة إلى حملة تضامن واسعة في ٢٠١٣ مع ما تتعرض له النساء المصريات من عنف وتحرش جنسي في الأماكن العامة، وذلك بعد عدد من الحوادث المفجعة التي وقعت في الشارع المصري ووصلت إلى حد الاغتصاب. استطاعت تلك الحملة حشد التضامن الواسع مع النساء المصريات من مختلف دول العالم ولاقت رواجا ساهم في إلقاء المزيد من الضوء على مستوى العنف الجنسي الذي تواجهه النساء في الشارع المصري. كما نظمت المبادرة حملات تعريفية بالعنف القانوني ضد النساء في الدول العربية وحملة لدعم المرأة السعودية في حقها في قيادة السيارة، وأخرى لدعم الحقوق السياسية للنساء في لبنان. ورفعت الحملة في كل ذلك شعار قضايانا متعددة، ونضالنا واحد.

تصميمات حملة ”هل تعلمين“ – انتفاضة المرأة في العالم العربي

ست البنات

اندلعت العديد من الاشتباكات بين الثوار وقوات الأمن خلال شهري نوفمبر وديسمبر ٢٠١١، وكانت أغلب الأخبار والقصص التي تناولت تلك المدة خصوصا أثناء أحداث ما أطلق عليه وقتها ”اشتباكات محمد محمود“، تتحدث عن عنف الأمن تجاه المتظاهرين، لكنها غفلت ذكر حوادث الإعتداء والاغتصاب الجنسي الذي تعرضت له المتظاهرات أثناء أحداث محمد محمود.

جاء النفور عن الحديث عن ما تعرضت له المتظاهرات تحت دعاوي ”عدم تشويه صورة الميدان“ و”الخوف من إحجام النساء عن المشاركة في التظاهرات والفعاليات“. رغم ذلك أقدمت عدة نساء على نشر شهاداتهن فيما تعرضن له أثناء المشاركة في التظاهرات على حساباتهن على منصات التواصل الاجتماعي، تسببت في حالة عنيفة من الانتقاد والهجوم عليهن من كل الأطراف المؤيد والمعارض، وسط حالة من التشفي من أنصار النظام السابق.

أخذ منحنى الاعتداءات طابعا آخر أكثر عنفا ووحشية في ديسمبر ٢٠١١، مما دفع مجموعات مناصرة لحقوق المرأة ومناهضة التحرش إلى تنظيم عدد من الفعاليات لحماية النساء وتنظيم عدة حملات رقمية للتعريف بما تعرضت له النساء من اعتداءات جنسية. كان أبرز تلك الحوادث هو حادثة –ما اصطلح على تسميتها– ”ست البنات“، وهي الفتاة التي تعدّى عليها عدد من الجنود بالسحل والضرب والتعرية أثناء أحداث مجلس الوزراء.

وثق ذلك الاعتداء واعتداءات مشابهة من خلال صور ومقاطع فيديو نشرت على الإنترنت، وأعيد نشرها من خلال العديد من الحملات الرقمية مثل ”عسكر كاذبون“ والعديد من الصفحات على منصات التواصل الاجتماعي. كما نظمت العديد من الناشطات النسويات والمجموعات الحقوقية النسوية عددا من الحملات الرقمية ردا على حادثة ”ست البنات“، للتنديد وكشف ونشر وقائع الاعتداء واستهداف المتظاهرات جنسيا لتخويف وترهيب النساء من المشاركة في التظاهرات، وانتشرت الدعوات إلى مسيرات نسائية للتنديد بما حدث، ردًا على ما تعرضت له النساء من اعتداءات في أحداث مجلس الوزراء.

٢٠١٢

شهدت نسبة استخدام الفتيات والنساء للإنترنت زيادة بمعدل ٥٫٣٪ في ٢٠١٢ عن النسبة في ٢٠١١، حسب تقرير وزارة الاتصالات في ٢٠١٢.

مبادرات مناهضة التحرش الجنسي 

كان التركيز الأساسي في الحملات الرقمية والتنظيم الرقمي في ٢٠١٢، على فكرة مواجهة التحرش الجنسي الرقمي والتحرش الجنسي في الأماكن العامة، خاصة بعد أن بدأت عدد من المنظمات والمبادرات النسوية تسليط الضوء على تلك الظاهرة في ٢٠١١.

واحدة من تلك المبادرات التي أطلقتها النساء عبر الإنترنت هي مبادرة ”بنات مصر خط أحمر“ التي تأسست في يونيو ٢٠١٢ من أجل العمل على حماية حقوق وحريات وكرامة المرأة في مصر، عن طريق تمكين النساء من الإبلاغ عن جرائم العنف الجنسي وتقديم دعم نفسي ومعنوي للضحايا/الناجيات. استخدمت تلك المبادرة صفحات التواصل الاجتماعي وسيلة للتنظيم وفرصة للقاء الداعمين والداعمات وتقديم حملات توعية مباشرة وتدريبات المتطوعين والمتطوعات بهدف الحماية من التحرش في الأماكن العامة.

ظهرت مبادرة أخرى تحت عنوان «ضد التحرش – Anti Harassment Movement» في أغسطس ٢٠١٢، تأسست المبادرة عن طريق إنشاء صفحة على منصات التواصل الاجتماعي على فيسبوك وتويتر من أجل نشر التوعية حول التحرش الجنسي، وإطلاق الحملات الرقمية من أجل مواجهة ظاهرة العنف ضد النساء.

عملت المبادرة على التشبيك والتواصل مع المتطوعين ومنظمي فرق الحماية في الشارع، وتنظيم العديد من الفعاليات لتدريبهم وتدريبهن حول آليات التوعية، وتدريب فرق الحماية للتواجد في الشارع أثناء الفعاليات، من أجل مواجهة العنف الموجه للنساء في الأماكن العامة. كما دأبت صفحة ضد التحرش، على نشر قصص الناجيات من حوادث العنف الجنسي بالإضافة إلى نشر محتوى يشجع النساء على الإبلاغ عن الاعتداءات.

ثورة البنات

هي مجموعة نسوية، تأسست عن طريق حسابات على منصات التواصل الاجتماعي من أجل الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من النساء والفتيات. تأسست المجموعة على يد غدير أحمد في ٢٦ يناير ٢٠١٢، من أجل العمل على وقف التمييز ضد النساء، والدفاع عن حرية النساء والفتيات في أجسادهن.

استهدفت تلك المبادرة الرقمية استخدام التقنية والإنترنت وسيلة من وسائل التغيير والوصول إلى النساء والفتيات في القرى والمحافظات عن طريق طرح القضايا النسوية والجدلية التي تخص النساء للنقاش العام. أثارت مبادرة ثورة البنات خلال الأعوام الماضية العديد من الجدل والنقاش بسبب إثارتها للعديد من الموضوعات غير التقليدية وطرح العديد من المواقف الجريئة غير المعتاد متابعتها على منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي وصل إلى شن حملات عنف رقمي ممنهجة ضد مؤسسة المجموعة غدير أحمد تضمنت استهداف حسابها على تويتر وشن حملات من العنف اللفظي اﻹلكتروني.

اهتمت مجموعة ثورة البنات بقضايا العنف التي تتعرض له النساء في المجال العام والخاص والذي يشمل التحرش الجنسي في الأماكن العامة، أو العنف الأسري وقضايا الختان. كما أثارت الصفحة عدة نقاشات حول قضايا الحجاب، والاستقلال عن الأهل وحرية الجسد، الأمر الذي تسبب في اندلاع هجوم شديد على محرري الصفحة في معظم التعليقات المثارة على تلك الموضوعات.

ساعدت مبادرة ثورة البنات على خلق مساحة تنظيم وضغط رقمية، ومثلت أول المساحات الرقمية بعد ٢٠١١ التي استوعبت الفتيات والنساء من خارج القاهرة من أجل دعمهن وتوعيتهن بقضايا وحقوق النساء.

لجأت مبادرة ثورة البنات في التعامل مع القضايا النسوية المطروحة والتعبير عن رأي محرريها إلى استخدام طرق غير تقليدية، كالاستعانة بتصميمات «ميمز» ساخرة، كما لجأت في بعض الأحيان إلى طريقة الوصم والتشهير الرقمي لعدد من الرجال بسبب انتهاكات ضد النساء من أجل الدفع بعملية المحاسبة ضد الانتهاكات التي تتعرض لها النساء. تناولت المبادرة أيضا عبر صفحتها على فيسبوك وحسابها على تويتر العديد من الموضوعات الشائكة كالحق في الإجهاض والاغتصاب الزوجي وغشاء البكارة، بالإضافة إلى القوانين التمييزية ضد النساء.

نماذج من بعض الحملات التي قامت بها صفحة ثورة البنات

  • كشوف العذرية داخل البيوت المصرية #من_الجسد_وإليه
  • الاغتصاب الزوجي: #حقها_اختيارها
  • الحق في الإجهاض
  • حملات الوصم الخاصة بالمتحرشين مثل #متحرش_الميكروباص

قوة ضد التحرش (أوبنتش)

في العام التالي لأحداث محمد محمود ٢٠١١، تجددت الاشتباكات مرة أخرى بشارع محمد محمود ومحيط وزارة الداخلية وميدان التحرير، وشهدت تلك الأحداث وقائع عنف واغتصاب جماعي للفتيات بميدان التحرير، الأمر الذي تسبب في صدمة للمجموعات الحقوقية والنسوية. ومابين الصراع على الإعلان عن ما تعرضت له النساء في تلك الأحداث وما بين التكتم عنها خشية ”الإساءة لمتظاهري التحرير“ حسب ادعائهم، خرجت ياسمين البرماوي وهي إحدى الناجيات التي تعرضت للاعتداء الجنسي العنيف بميدان التحرير لتعلن عن ما تعرضت له عبر صفحات التواصل الاجتماعي وتسجل ما تعرضت له فيما بعد في عدة شهادات مكتوبة ومصورة.

في أعقاب تلك الأحداث تشكلت مجموعة تحت اسم قوة ضد التحرش أو أوبنتش – منطوق ”OPANTISH“ وهو اختصار ”Op Anti-Sexual Harassment/Assault“ – وهي مجموعة من المتطوعات والمتطوعين والعديد من الجمعيات والمبادرات التي تعمل من أجل التدخل السريع لوقف التحرش والاعتداء الجنسي الجماعي في المظاهرات والاعتصامات بهدف تجنيب النساء الاعتداء الجنسي الجماعي.

استخدمت المبادرة في عملها منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر من أجل توفير المعلومات أولا بأول حول البؤر الخطرة والتي تقع فيها حوادث اعتداء جنسي خلال التجمعات والفعاليات، بالإضافة إلى المساعدة في طلب الدعم الطبي والقانوني أو المادي من أجل إسعاف الضحايا أو مساعدتهن، وتوفير ملاذ آمن مؤقت.

تمكنت المبادرة في ذلك الوقت من تحقيق مصداقية وشهرة واسعة بسبب جهود أعضائها المبذولة ومحاولاتهم/ن توفير الحماية اللازمة للنساء المشاركات في الفعاليات، حيث استخدمت المبادرة العديد المنصات الرقمية في محاولة لرفع الوعي بقضية التحرش الجنسي والاعتداء المنظم والممنهج على المتظاهرات، بالإضافة إلى نشر أرقام الحملة على منصات التواصل الاجتماعي قبل الفعاليات للإبلاغ عن بؤر التحرش الجنسي أو طلب المساعدة. كما استخدمت مبادرة قوة ضد التحرش تويتر في محاولة للتنظيم وجمع المساعدات لشراء الاحتياجات الطبية للناجيات من أحداث العنف الجنسي، باﻹضافة إلى تنظيم المتطوعين/ات ونشر أرقام الخطوط العاجلة للمساعدة في التدخل لوقف الاعتداءات.

أعلنت المبادرة عبر حساباتها وصفحاتها الرقمية تعليق نشاط قوات التدخل الخاصة بها في التظاهرات والفعاليات في نهاية عام ٢٠١٣، بسبب تضييق الخناق عليها في أثناء عمليات التدخل، وتعرض بعض أعضائها للقبض عليهم. بالرغم من ذلك حافظت المبادرة على تواجدها الافتراضي عبر منصات التواصل الاجتماعي وخاصة صفحتها على فيسبوك، داعمة أي حراك للقضاء على التحرش متضامنة مع نضال النساء للحد من العنف الجنسي في الشارع المصري.

٢٠١٣

انخفضت نسبة مستخدمات الإنترنت لتصل إلى ٤٣٫٥٪ في ٢٠١٣ مقارنة بنسبة ٤٦٪ في ٢٠١٢. وصلت نسبة مستخدمات الإنترنت في الدلتا في هذا العام إلى٤٢٪ مقابل ١٥٫٩٪ في القاهرة و٢٧٫٣٪ في صعيد مصر٢٠١١، حسب تقرير وزارة الاتصالات في هذا العام. وتعكس تلك النسبة زيادة في عدد مستخدمات الإنترنت في الدلتا والصعيد عن القاهرة والإسكندرية، في حالة من اللامركزية بعيدا عن العواصم الكبرى في استخدام الإنترنت، مما يفسر زيادة عدد المبادرات الرقمية المنطلقة من محافظات الدلتا والصعيد. وربما يرجع سبب كثافة استخدام النساء للإنترنت في الصعيد والدلتا مقارنة بالقاهرة والإسكندرية إلى تراجع فرص النساء في تلك المحافظات في المشاركة بحرية في الفعاليات والأحداث العامة التي تدور على أرض الواقع، وتحول الإنترنت إلى وسيلة لتعويض غياب المشاركة المادية والفعلية في الشارع والأماكن العامة. أما عن محافظات السويس وسيناء، فقد بلغت نسبة مستخدمات الإنترنت ستة بالمئة فقط بسبب الانقطاع المتواصل للإنترنت عن شمال سيناء، بالإضافة إلى الطبيعة المحافظة للمحافظتين والتي قد تفرض قيود على كيفية استخدام النساء للإنترنت.

اعترافات سيدة متزوجة

مجموعة اعترافات سيدة متزوجة أو كما كُتب اسمها باللغة الإنجليزية ”Confessions of a Married Woman“، هي مجموعة مغلقة من النساء فقط تكاد تكون الأولى من نوعها على منصات التواصل الاجتماعي في مصر باللغة العربية. المجموعة رغم اسمها فإنها ليست حصرية على النساء المتزوجات، بل يمكن للعازبات والمطلقات الانضمام لها.

بدأت المبادرة التي أسستها زينب العشري عندما تزوجت لتكتشف بعد زواجها كل المسكوت عنه في الزواج. بعد أن ظنت أنها وحدها من تعاني من تلك المشكلات. شرعت زينب في حينها بالمشاركة مع مجموعة من الصديقات في إنشاء تلك المجموعة بغرض أن تتبادل النساء الدعم النفسي، وفي بعض الأحيان الدعم المادي أيضا. اعتمدت المجموعة في سياسة نشرها للمشكلات والاعترافات على المجهولية، بحيث تتمكن المشاركات من الحديث عن مشكلاتهن بحرية، دون حرج أو خوف.

مجموعة اعترافات سيدة متزوجة، كانت أول مساحة رقمية مكنت النساء المصريات من الحديث عن مشكلاتهن الزوجية والجنسية بحرية دون الخوف من أحكام مسبقة، الأمر الذي كشف عن الكثير من الحقائق الصادمة فيما يخص العلاقات والمشكلات الزوجية في مصر. بدأت المجموعة كمساحة للنساء المتزوجات لمشاركة المشكلات أو الاعترافات المتعلقة بمؤسسة الزواج، إلا أنه ومع الوقت ومع زيادة عدد العضوات تحولت المجموعة إلى مساحة آمنة لمشاركة النساء بعضهن البعض مخاوفهن بحرية بغض النظر عن أعمارهن أو حالتهن الاجتماعية. تمثل المشكلات أو الإعترافات المتعلقة بالجنس، العنف الزوجي والأمور المالية النصيب الأكبر من المنشورات والتفاعل على المجموعة التي وصل عدد عضواتها حتى الآن إلى ما يزيد عن ١٨٨.٦ ألف عضوة.

اعتمدت المجموعة بعض القواعد ضمن سياسة النشر لضمان الحفاظ على تماسك المجموعة ومن أجل إتاحة مساحة آمنة يمكن للنساء فيها التحدث بحرية. فعملت المجموعة على حظر أي نقاشات متعلقة بالدين والسياسة، بالإضافة إلى حظر أي تعليق يحتوي على إساءة أو تنمر لأي عضوة.

أثارت مجموعة اعترافات سيدة متزوجة حفيظة بعض الرجال بسبب شعبية تلك المجموعة من النساء وطبيعة المعلومات المتداولة حتى وإن كانت مُجهّلة، فاتهموا المجموعة بتحريض النساء على أزواجهن أو عائلاتهن ودفعهن للتمرد على ما أعتدن عليه.

حملة صلحها في دماغك

مع حلول الذكرى السنوية للاعتداءات على النساء في نوفمبر ٢٠١٣، أطلقت عدد من المنظمات الحقوقية والنسوية حملة رقمية موجهة للرجال بعنوان ”صلحها x دماغك“. وهدفت الحملة إلى مواجهة الأنماط السلبية والمفاهيم المغلوطة المرتبطة بالعنف الجنسي ضد النساء في مصر. استخدمت الحملة عدة أدوات كان من أبرزها استخدام الرسوم الكاريكاتيرية ونشرها على نطاق واسع عن طريق منصات التواصل الاجتماعي.


تصميمات حملة صلحها x دماغك

استخدمت الحملة وسم #صلحهاxدماغك للوصول إلى جمهورها المستهدف، بالإضافة إلى استخدام منصات التواصل الاجتماعي في الدعوة إلى عدد من الفعاليات الحية مثل الندوات وجلسات الحكي، وحملات توعية مجتمعية في عشر محافظات. اشترك في الحملة العديد من المنظمات مثل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وخريطة التحرش الجنسي، ونظرة للدراسات النسوية، ومبادرة ضد التحرش، ومبادرة ثورة البنات، ومبادرة انتفاضة المرأة في الوطن العربي، وغيرها من المبادرات المعنية بمواجهة التحرش والعنف الجنسي ضد النساء، كما حظيت الحملة بتغطية إعلامية كبيرة على عدد من منصات الإعلام الرقمي.

حملت حملة #صلحهاxدماغك طابعا مختلفا وجديدا عن كافة الحملات السابقة، إذ وجهت الخطاب لأول مرة إلى الرجل بدلا من مخاطبة المرأة أو المجتمع بشكل عام، بطريقة سهلة ومباشرة ومبسطة، وتناولت العديد من المواقف الحياتية اليومية في محاولة لتغيير السلوك وتعديله لمواجهة العنف ضد النساء في المجال العام.

عملت الحملة أيضا على التوعية بالغموض الموجود في القانون المصري المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء والنصوص غير المنصفة في تعريف أنواع العنف الجنسي ضد النساء في مصر. الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى أحكام قضائية هزيلة لتلك الجرائم، واستعانت الحملة في التوعية بتلك النقاط بمنصات التواصل الاجتماعي لتوضيح القصور في نصوص القانون المصري.

تصميمات حملة صلحها x دماغك

٢٠١٤

شهد العام ٢٠١٤ عدة حوادث مروعة ارتبطت بالعنف ضد النساء في الأماكن العامة، إحداها كانت في مارس ٢٠١٤، حين تعرضت إحدى الطالبات بجامعة القاهرة إلى تحرش جماعي من الطلبة الذين تعقبوها والتفوا حولها محاولين الاعتداء عليها وتجريدها من ملابسها. وثُقت هذه الواقعة وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ليعلق بعدها رئيس الجامعة حينها د. جابر نصار بأن ملابس الطالبة الجامعية هي ما تسببت في إثارة الشباب ودفعهم للتحرش بها!

أعقب تلك الحادثة بعدة أشهر مجموعة من حوادث الاعتداء الجنسي في ميدان التحرير أثناء الاحتفال بتنصيب الرئيس المصري في يونيو ٢٠١٤. وتناقلت وقتها عدة فيديوهات انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي اعتداءات جماعية على عدد من النساء بميدان التحرير، الأمر الذي وصل إلى تمزيق ملابسهن بالكامل واغتصاب عدد منهن وإلقاء المياه الساخنة عليهن، وإحداث حروق وإصابات بالغة بهن.

حازت هذه الوقائع على النصيب الأكبر من الاهتمام بسبب عنف المشاهد التي تناقلتها منصات الاجتماعي والتي احتوت على فيديو لسيدة مغطاة بالدماء بعد تعريتها بالكامل في ميدان التحرير والاعتداء عليها، بالإضافة إلى طبيعة الحدث الذي وقعت خلاله تلك الاعتداءات في غياب تام لأي تواجد أو حماية أمنية.

على إثر ذلك تناقلت وسائل الإعلام المحلية توجيهات الرئيس الجديد لوزير داخليته بضرورة التصدي ومواجهة ظاهرة التحرش الجنسي ضد النساء بعد قيامه بزيارة إحدى ضحايا الاعتداءات الجنسية في المستشفى التي احتجزت بها للعلاج. بعد شهر من هذه الواقعة، أصدرت المحكمة القضائية أحكاما بالسجن مدى الحياة على ٧ متهمين في تلك الحوادث، وعلى اثنين آخرين بالسجن لمدة ٢٠ عامًا.

توقف

في أغسطس ٢٠١٤، أطلقت المصورة إيمان هلال مشروع توقف عن المرأة المصرية والتحرش الجنسي في الشارع المصري بعد ٢٠١١. تضمن المشروع لقطات مصورة من الشارع المصري، وقصص مصورة لمجموعة من النساء يعرضن تجاربهن الشخصية، بالإضافة إلى وقائع تحرش مسجلة رقميا.

في ذلك الوقت ورغم إرتفاع وتيرة العنف ضد النساء في الشارع المصري، رفضت عدة صحف مصرية المشاركة في المشروع، وبعد أن وافقت إحدى الصحف العالمية على نشر هذه القصص رقميا على إحدى منصاتها، نشرته إيمان على منصتها الخاصة بها.

٢٠١٥

لم يكن عام ٢٠١٥ عاما سعيدا للإنترنت السعيد، فقد شهد هذا العام بداية حجب العديد من مواقع الإنترنت الإخبارية، وكان ذلك الحجب هو الأول من نوعه منذ ٢٠١١. شهد هذا العام تقديم أول اقتراح يتعلق بجرائم الإنترنت في قانون مكافحة الإرهاب والذي احتوى الكثير من مواد تقييد النشر على منصات التواصل الاجتماعي وأُقر في أغسطس ٢٠١٥. تزامن ذلك مع القبض على العديد من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بسبب منشورات أو مواد مصورة أثارت الجدل. أدى ذلك إلى تراجع ترتيب مصر ١١ مركزا عن العام السابق في مؤشر تنمية الاتصالات لتأتي في الترتيب ١٠٠/١٦٧ لعام ٢٠١٥.

في أغسطس ٢٠١٥، أُلقي القبض على راقصتين صورتا مقاطع راقصة لهن ونشراتها على منصات التواصل الاجتماعي، على إثر تقديم عدد من المحامين العديد من البلاغات ضدهم بتهمة التحريض على نشر الفسق والإباحية بغرض انتهاك قيم الأسرة المصرية.

بالرغم من التضييق على منصات التواصل الاجتماعي وزيادة التهديد بالتعرض للمساءلة القضائية بسبب المحتوى المنشور، والذي انعكس على تعليق العديد من المبادرات نشاطها على الأرض وعلى منصات التواصل الاجتماعي خاصة بعد إقرار قانون الجرائم الإلكترونية، إلا أن ذلك لم يعطل خروج بعض المبادرات النسوية للنور على منصات التواصل الاجتماعي.

فيمي هب

مبادرة فيمي هب أو كما كُتب اسمها باللغة الإنجليزية ”Femi Hub“ هي مبادرة رقمية أسستها مجموعة مغلقة مخصصة للفتيات فقط على فيسبوك، تعمل على دعم الفتيات المغتربات القادمات إلى القاهرة لأول مرة من المحافظات، بهدف مساعدتهن في الاستقلال عن عائلاتهن، وفي العمل والدراسة.

عملت المبادرة على التشبيك مع العديد من المبادرات والناشطات لدعم الفتيات من خارج القاهرة، كما وضعت المبادرة على عاتقها تحذير الفتيات حديثات العهد بالاستقلال أو اللاتي مازلن في طريق سعيهن من تعرضهن للنصب والاستغلال. تعمل المبادرة أيضا على مشاركة فرص العمل والمنح تدريبية مع عضوات المجموعة، كما تعمل على توفير قاعدة بيانات تضم جهات العمل الآمنة للفتيات في القاهرة.

بعد عامين من التأسيس، أعادة المبادرة تعريف نفسها لتصبح مجموعة جامعة لدعم المستقلات بدون أي تحيز جغرافي في محاولة لتوفير مجتمع داعم وآمن للفتيات المستقلات، ومساحة لتبادل المعلومات والخبرات حول السكن، وتوفير دعم نفسي وبناء قدرات الفتيات المستقلات، بالتشبيك مع المؤسسات التي تقدم دعم للنساء على المستوى النفسي والاقتصادي والقانوني.

اعتنت فيمي هب لأول مرة بالشق الاقتصادي المؤثر على استقلالية الفتيات والنساء وعملت عضوات المجموعة على عدة مبادرات تضامنية للعمل على بناء قدرة العضوات وتأهيلهن ليتمكن من تحقيق استقلالهن المادي!

بالإضافة إلى ذلك أنشأت المجموعة المغلقة صفحة اجتماعية أخرى مفتوحة عملت من خلالها على نشر تجارب بعض عضوات المجموعة في الاستقلال والصعوبات والمشكلات التي واجهتهن. كما عملت المجموعة على نشر دليل للمستقلات حديثا أو الساعيات للاستقلال، بحيث يحتوي على أهم الأسئلة أو المشكلات التي يمكن أن تواجههن. على سبيل المثال يحتوي هذا الدليل عل الإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها في حالة تعرضهن للعنف الأسري من جانب العائلة بسبب قرار الاستقلال، أو في حالة رغبتهن للسفر للخارج وحدهن أو محاولة استخراج وثيقة سفر.

٢٠١٦

بلغت نسبة النساء المستخدمات للإنترنت في هذا العام ٣١٪ من عدد الإناث مقارنة بنسبة ٣٧٪ من الذكور.

في هذا العام قالت منظمة World Wide Web foundation في تقريرها الصادر عن الحقوق الرقمية للنساء في مصر أن ٤٥٪ فقط من النساء في القاهرة مقارنة بنسبة ٨٧٪ من الرجال يمكنهن الولوج إلى شبكة الإنترنت. كما مثلت نسبة النساء اللاتي يستخدمن الإنترنت من أجل البحث عن المعلومات الهامة التي تخص الحقوق الرقمية ٧٪، بينما مثلت نسبة النساء القادرات على الوصول إلى الخدمات الرقمية المالية ١٪ فقط.

أكدت المنظمة في تقريرها على غياب أي سياسات عامة يمكن ترويجها عبر الإنترنت من أجل التوعية بالصحة الجنسية والإنجابية، على الرغم من وجود بعض المبادرات من جانب منظمات المجتمع المدني إلا أنها لا تزال على نطاق بالغ الضيق. واضاف التقرير إلى شيوع التحرش الجنسي ضد النساء عبر الإنترنت، مع نقص المهارات الشرطية والقضائية للتعامل مع مثل تلك البلاغات، ونتيجة لذلك مارست النساء الرقابة الذاتية على ممارستهن الرقمية.

أشار تقرير حرية الإنترنت الصادر عن فريدوم هاوس، إلى غياب حرية الإنترنت في هذا العام، كما علق على حجب خدمات الاتصال الصوتية، وفرض الرقابة على منصات التواصل الاجتماعي.

في يناير ٢٠١٦ ، صدر حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات على الشاعرة فاطمة ناعوت بتهمة ازدراء الأديان بسبب منشور على فيسبوك في ٢٠١٤، انتقدت فيه تقليد ذبح الخراف في عيد الأضحى. في نفس العام أيضا في مايو ٢٠١٦، ألقت الشرطة المصرية القبض على عابرة جنسيا بتهمة الدعارة، من خلال تتبع حسابها على منصات التواصل الاجتماعي.

ويكي جندر

لم يخل العام ٢٠١٦ من المبادرات الرقمية، ففي ديسمبر من ذلك العام إنطلقت مبادرة ويكي جندر وهي منصة رقمية قائمة على المساهمات الفردية التطوعية للبحث والكتابة في قضايا النساء والقضايا النسوية باللغة العربية.

إنطلقت المبادرة بدعم من معهد جوتة ومؤسسة أضف، حيث تولى الأول تقديم الدعم المالي والثانية الدعم التقني. عملت منصة ويكي جندر على إثراء الإنتاج المعرفي الخاص بالقضايا النسوية، وأرشفة المحتوى المكتوب والمرئي والمسموع الذي يخص تلك القضايا مع ترجمة الأوراق البحثية الخاصة بالقضايا النسوية إلى العربية من أجل إنتاج بنية معرفية تراكمية حول قضايا النوع الاجتماعي عن طريق العمل التشاركي.

اهتمت المبادرة بتنظيم عدد من الفعاليات لتعريف المهتمين والمهتمات بقضايا الجندر والنسوية على المبادرة الرقمية وتوفير التدريب اللازم لكيفية إستخدام المنصة الرقمية وإضافة وتحرير محتوى عليها. كما عملت المبادرة على رصد وتوثيق المبادرات والمجموعات المهتمة بقضايا النوع الاجتماعي والقضايا النسوية، بالإضافة لتشجيع وتحفيز النقاش والتفاعل مع محتوى المنصة على مختلف المنصات الأخري.

أنشئت المبادرة مجموعة مغلقة تشاركية على فيسبوك لتسهيل التواصل بين المحررات في الويكي جندر والمهتمين والمهتمات بقضايا الجندر والنسوية ومشاركة تطور المشروع وفعاليته معهم، بالإضافة إلى إنشاء صفحة عامة مفتوحة لنشر محتوى وفعاليات المبادرة، بالإضافة إلى حسابين على منصة تويتر وإنستجرام.

من أهم المشاركات والمؤسسات في عمل المبادرة فرح برقاوي، آية هشام، علا أبو شلاشل، خلود بيدق، حبيبة منتصر وأخريات. هدفت القائمات على هذه المبادرة إلى إنشاء ما يشبه قاموس رقمي جماعي، يعمل على مشاركة المعرفة ونشرها بطريقة مجانية وباللغة العربية، بالإضافة إلى فتح النقاش في الموضوعات الملحة والهامة المتعلقة بقضايا النوع الاجتماعي والنسوية.

٢٠١٧

تراجع ترتيب مصر في حرية الإنترنت في العام ٢٠١٧ إلى المركز ٣٢ بدلا من المركز ٣٧ في عام ٢٠١٦، حيث يعتمد الترتيب على مقياس من صفر (الأقل حرية) إلى مئة (الأكثر حرية)، حسب تقرير فريدوم هاوس. في ذلك العام حُجب المزيد من المواقع الإلكترونية التي وصل عددها إلى ١٠٠ موقع إلكتروني، ليصبح إجمالي المواقع المحجوبة بنهاية العام ٤٣٤ موقع إلكتروني. في ذات العام اقترح عدد من المشرعين ونواب البرلمان وضع قيود على إنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وفرض رسوم شهرية على مستخدمي هذه المواقع تدفع إلى خزينة الدولة. كما شهدت أسعار اشتراكات الإنترنت زيادة كبيرة، مما أثر على أعداد المستخدمين التي شهدت تراجعا.

في إبريل ٢٠١٧، نشرت الأستاذة الجامعية منى البرنس مقطع فيديو لها وهي ترقص على حسابها الشخصي بفيسبوك، لتبدأ بعدها عاصفة من الهجوم والتهكم عليها. وكرد فعل من الجامعة، أحالتها إدارة الجامعة للجنة للتحقيق والتي قررت بعد ١٤ شهرا من التحقيقات فصل الأستاذة الجامعية من وظيفتها الأكاديمية بالجامعة.

في يوليو من نفس العام، اختُرقت جميع الحسابات الشخصية للناشطة علا شهبة، بعد تلقيها رسالة من شركة خدمات الإنترنت فودافون بأن شريحة هاتفها عُطلت، ليستلم شخص آخر بدلا عنها وبدون علمها الشريحة البديلة من مقر فودافون. عطّل بعدها هذا الشخص وألغى كل الحسابات الرقمية الشخصية والبريد الإلكتروني الخاص بها، وفصل أي تواصل بينها وبين العالم الافتراضي لعدة أيام قبل أن تتمكن من استعادة هويتها الرقمية مرة أخرى. شهبة اتهمت شركة فودافون في هذا الوقت بالتواطؤ والمساعدة في اختراق حساباتها الرقمية بعد تسليم شريحتها البديلة لشخص آخر، وهو ما يخالف القانون.

في سبتمبر ٢٠١٧، قُبض على الناشطة النسوية والحقوقية سارة حجازي، بعد حضورها حفل لفرقة مشروع ليلى ورفعها لعلم فخر المثلية. استطاعت قوات الأمن وقتها الوصول إلى سارة حجازي وإلقاء القبض عليها عن طريق منصات التواصل الاجتماعي بعد نشر صورتها أثناء الحفل.

في نفس الشهر، تعرضت الناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح إلى عمليات اختراق لحساباتها الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي. وسربت واحدة من صفحات فيسبوك تدعى ”كن إيجابي“ عدد من الصور الشخصية لها بدون غطاء الرأس، بالإضافة إلى تسريب عدد من محادثتها على البريد والمكالمات الهاتفية ونشرها عبر الإنترنت، وسط اتهامات لها بالخيانة ومحاولات للتشهير بها وبحياتها الخاصة على الإنترنت.

حملة أول محاولة تحرش كان عمري

مع زيادة وقائع التحرش الجنسي يوميا، وخاصة بالأطفال، أطلقت عدد من النسويات وسم #أول_محاوله_تحرش_كان_عمري، للتدوين عبره عن تاريخهم مع التحرش الجنسي ردا على بعض الادعاءات بأن التحرش في مصر ظاهرة جديدة، أو أنه مقصور على نساء أو فئات بعينها.

تفاعل المئات مع الوسم عبر منصات التواصل الاجتماعي، ونشرت عنه العديد من المواقع الإخبارية والصحفية وبدأ في التدوين عليه شباب تعرضوا للتحرش الجنسي وهم أطفال. كما شارك أيضا في التدوين على الوسم بعض من المؤثرات والشخصيات الشهيرة مثل الصحفية ومقدمة البرامج ياسمين الخطيب، ونجمة «ستار أراب أيدول» إيناس عز الدين، من خلال رواية قصص أول تحرش جنسى بهن. ونظرا لشعبية الوسم التي امتدت إلى بقية الدول الناطقة بالعربية، بدأت العديد من النساء التدوين عبر هذا الوسم من ليبيا والسودان والأردن وتونس ولبنان ليروين قصص التحرش الأولى بهن.

تعرض الوسم بسبب التفاعل الذي جرى عليه للهجوم من مجموعة من الحسابات أغلبها من الذكور في محاولة للتشكيك في صدق الروايات أو واقعيتها، في حين زعم البعض الآخر أن سبب كل هذا هو البعد عن الدين.

حق يوسف

في ١٨ مايو ٢٠١٧، تواجد يوسف العربي البالغ من العمر ١٣ عاما في محيط ميدان الحصري بمدينة ٦ أكتوبر بصحبة أصدقائه، وفجأة سقط مغشيا عليه، لتكتشف والدته وأصدقائه بعد نقله إلى مستشفى ٦ أكتوبر التخصصي أن هناك رصاصة مستقرة في جذع المخ. قضى يوسف في الغيبوبة ١٢ يوما حتى توفي يوم ٢٩ مايو.

كشفت تحريات الشرطة إلى أن سبب الوفاة هو تعرضه لرصاصة ناتجة عن إطلاق الرصاص في أحد الأعراس، إلا أن الشرطة لم تتمكن من ضبط المتهمين بسبب نفوذ عائلاتهم. أطلقت مروة قناوي منذ لحظة وفاة نجلها وسم #حق_يوسف من أجل ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة دون استثناءات. واصلت مروة قناوي خلال عامين من حملتها والتي تطورت من تظاهر بشكل فردي أمام مجلس الوزراء، إلى لقاءات إعلامية، ورسائل عامة إلى وزارة الداخلية ورئيس الوزراء. إلى جانب ذلك أطلقت مروة حملة #لا_لضرب_النار_في_المناسبات من أجل تفادي تكرار مثل تلك الحوادث.

في مايو ٢٠١٨ وبعد عدة شهور من وفاة يوسف حُكم غيابيا على المتهمين بالسجن لسبع سنوات بتهم القتل الخطأ وحيازة سلاح بدون ترخيص. استمرت مروة قناوي في حملتها من أجل ضبط وإحضار المتهمين، وتلقت أثناء ذلك العديد من رسائل التهديد من أسر المتهمين من أجل وقف حملتها ووقف المطالبة بتسليم الجناة. بعدما استنفذت مروة قناوي كل محاولات الضغط لتسليم الجناة، بدأت إضرابا عن الطعام حتى تسليم الجناة.

خلال كل هذه المدة لم يصدر أي تعليق رسمي يخص تسليم الجناة إلا طلب إحاطة عاجل تقدمت به النائبة أنيسة حسونة لوزير الداخلية عن الموضوع ورسالة وجهها النائب محمد فؤاد لوزير الداخلية. استمرت مروة في إضرابها عن الطعام، ومن خلال الوسم الخاص بالحملة بدأت مروة في تلقي الدعم الشعبي والعام على صفحات التواصل الاجتماعي، كما تضامن معها العديدين واضربوا عن الطعام بشكل متوالي معها. بعد ٤٥ يوما من الإضراب عن الطعام أنهت مروة قناوي إضرابها بعد الإعلان وأخطارها بتسليم المتهمين الرئيسيين أنفسهم للنيابة.

استطاعت  مروة أيضا ومن خلال مبادرة لا لضرب النار في المناسبات بالبدء في مبادرة اجتماعية من أجل وقف تلك العادة القاتلة، حيث طبعت العديد من الكراسات بصورة يوسف تحت اسم ”كراسة يوسف“ مع جملة سيرتك أطول من عمرك، ووزعتها في المدارس مع تقديم ورش توعية حول ضرر هذه العادة.

الطبيب المتحرش م ف

بدأ التدوين ضد الطبيب مايكل فهمي بالأحرف الأولي في عام ٢٠١٧، وبعد أربع سنوات من إطلاق وسم #المتحرش_م_ف، أدين مايكل فهمي في ٢٠٢١ بهتك عرض ٦ فتيات قاصرات بعد استدراجهم. ورغم حساسية تناول أي موضوعات شائكة تتعلق بالشأن المسيحي علنا عبر صفحات التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا لم يوقف حملة من التضامن والتدوين عن جرائم ذلك الطبيب.

بدأت الحملة علنا في أكتوبر ٢٠١٧، حينما بدأ عدد من المستخدمين في تداول منشور تحذيري من مايكل فهمى، وظهر اسمه بالكامل في تلك التدوينات، إلا أن الأمر تطور إلى وسم يشير له بالأحرف الأولى فقط لاحقا، تجنبا للملاحقة القانونية بعدما بدأ في التقدم ببلاغات بالسب والقذف ضد كل من يذكر اسمه مقرونا بتلك الاتهامات على منصات التواصل الاجتماعي. أدين مايكل فهمي في ٢٠٢١ وحكم عليه بالسجن المؤبد.

أنا أيضًا!

في ١٥ أكتوبر من ذلك العام، نشرت الممثلة الأميركية إليسا ميلانو لأول مرة عن التحرش الجنسي داخل هوليود على خلفية اتهامات بالتحرش الجنسي ضد هارڤي واينستين. دعت ميلانو في تدوينتها كل النساء عبر حسابها من إعادة نشر التغريدة تحت وسم ‎#metoo؜. لاقت دعوة ميلانو وعدة ممثلات أخريات صدى واسعا وبدأت النساء في التغريد بوقائع التحرش الجنسي اللاتي تعرضن لها.

مصر لم تكن استثناء، حيث بدأت العديد من النساء المصريات من إلقاء الضوء ورواية تفاصيل مروعة حول وقائع التحرش الجنسي ضدهن مستخدمات نفس الوسم باللغة الإنجليزية أو العربية، سواء وسم #أناـأيضًا أو #أنا_كمان. ساهمت تلك الحملة في بدء نقاش حقيقي على منصات التواصل الاجتماعي حول التحرش وأسبابه ودوافعه وكيفية التصدي له خارج الأطر التقليدية التي عادة ما تلقي عبء التحرش الجنسي على عاتق النساء بوصفهن المتهمات.

تراوحت النقاشات بين الحدة والهدوء، وطرحت العديد من الأسئلة الجادة حول ظاهرة التحرش الجنسي، والفرق بين التحرش والملاطفة ومعنى الجنس الرضائي ومتى يتحول لتحرش أو اغتصاب. كل هذه الأسئلة لم يجرؤ المجتمع المصري على طرحها ومناقشتها خارج الأطر التقليدية الثقافية والدينية من قبل. كما ساعدت الحملة في بدء حملات جانبية أخرى حيث شجعت العديد من ضحايا التحرش الجنسي في نشر شهادتهن سواء بشكل مجهل أو علني، عبر وسائل اتصال رقمية مغلقة أو مفتوحة.

خادم متحرش

يمكننا القول أن وسم #خادم_متحرش هو أحد توابع أو إلهامات حملة #أناـأيضًا، التي فتحت الباب للحديث عن ما اعتاد الناس عن تجنب الحديث عنه، مثل التحرش داخل دور العبادة وعلى يد رجال الدين.

بدأ الوسم في أكتوبر من ذلك العام على يد ناردين ناجى، التي تعرضت للتحرش في طفولتها على يد أحد خدام الكنيسة، بعد أن التقت صدفة بأحد الفتيات التي أخبرتها بالتعرض للتحرش على يد نفس الخادم. من هذه اللحظة بدأت ناردين في الكتابة على هذا الوسم، وصممت استمارة بها أسئلة تخص التحرش داخل دور العبادة المسيحية نشرتها وطلبت من الفتيات الإجابة عليها، لتتلقى بعدها ناردين أكثر من ٩٦ رسالة من فتيات ضحايا للتحرش الجنسي على يد رجال دين مسيحي.

ضمن هذا الوسم أيضا جرت مشاركة ونشر العديد من حوادث التحرش الجنسي الخاصة بالطبيب مايكل فهمي، والذي أُدين فيما بعد في ٢٠٢١. كما استخدمت سالي زخارى في عام ٢٠١٨ نفس الوسم لفضح التحرش الجنسي الذي تعرضت له على يد قس مصري في الكنيسة القبطية بفلوريدا. سالي أيضا أوضحت أن هذا القس نُقل إلى مصر ورُقي، وواصل عمله رغم حوادث وبلاغات التحرش الجنسي ضده. وفي ٢٠١٩ بدء التحقيق مع القس نتيجة الحملة والضغط الذي مارسته سالي عبر نشر تفاصيل ووقائع التحرش الجنسي وتفادي الكنيسة معاقبته. وفي عام ٢٠٢٠ عُزل القس وجُرِّد.

مازال وسم #خادم_متحرش حيا ويتفاعل عليه ويدون به حتى هذه اللحظة مع كل وقائع تحرش جديدة داخل دور العبادة الكنسية.

٢٠١٨

في عام ٢٠١٨ وصلت إجمالي نسبة المستخدمين للإنترنت ٥٠٪ من عدد السكان، وبلغت نسبة مستخدمات الإنترنت ٤١٫٣٪ من إجمالي عدد النساء مقارنة بنسبة المستخدمين الذكور التي وصلت ٥٢٫٤٪ من إجمالي عدد الرجال. كما بلغت نسبة المستخدمات لفيسبوك ٣٧٪ من إجمالي المستخدمين الفاعلين، وعلى موقع إنستجرام بلغت نسبة النساء المستخدمات ٤٠٪.

في ذلك العام أيضا، ارتفع عدد المواقع الإلكترونية المحجوبة ليصل إلى ٥٠٠ موقع، كما اقترح البرلمان سن قوانين جديدة تتعلق بتنظيم منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى مراقبة المواقع الإلكترونية، وتجريم نشر الأخبار الكاذبة.

في أغسطس ٢٠١٨، أقر البرلمان قانون الجرائم الإلكترونية الذي وضع إطار قانوني لحجب المواقع الإلكترونية التي تمثل تهديدا للأمن الوطنى، كما يتعرض الأفراد الزائرين لهذه المواقع المحجوبة إلى الحكم عليهم بالسجن لمدة عام بحد أقصى، وقد يواجه مصممى المواقع الإلكترونية المحجوبة ومديريها السجن عامين بحد أقصى. كما يتعين على مقدمي خدمة الإنترنت استخراج تاريخ التصفح للمستخدمين وإتاحته للأجهزة الأمنية في حال طلبه.

في هذا العام أيضا وافق البرلمان على ثلاثة مسودات قوانين تتعلق بتنظيم الإعلام بما يشمل الإعلام الرقمى، بحيث ألزم مواقع الأخبار بالحصول على رخصة لمزاولة عملها في مصر، كما اعتبر القانون المدونات والحسابات الشخصية شكلا من أشكال الوسائل الإعلامية والذي يمكن أن يضعها تحت طائلة القانون بتهمة نشر الأخبار الكاذبة ويمكن أن يتعرض أصحابهم للغرامة، أو السجن أو إلغاء حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعى.

في مايو ٢٠١٨، استخدمت أمل فتحى حسابها على فيسبوك لتحكي عن التحرش الذي تعرضت له على يد رجل أمن في البنك وسائق تاكسى في نفس اليوم وفشل الحكومة في حماية النساء في الأماكن العامة. انتشر الفيديو الذي بثته أمل على نطاق واسع في مختلف المنصات وعلى المواقع الإلكترونية، ليقبض عليها بعد نشر الفيديو بأيام. قضت أمل في الحبس الاحتياطي ١٦١ يوم وأخلي سبيلها على ذمة القضية بكفالة قدرها ١٠ آلاف جنيه. وبعد يومين من إخلاء سبيلها حكم عليها بعامين سجن وغرامة ٢٠ ألف جنيه بتهمة إساءة استخدام منصات التواصل الاجتماعي. تقدمت أمل بطلب لنقض الحكم، وفي ١٢ يناير ٢٠٢٢ أيدت محكمة النقض حبسها لمدة عام بسبب إساءتها لمؤسسات الدولة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

في نفس العام وبعد شهرين من إلقاء القبض على أمل فتحى وحبسها بسبب تعرضها للتحرش الجنسي في الشارع وإلقائها اللوم على تقاعس الحكومة وأجهزة الدولة في توفير شوارع آمنة للنساء، بثت منى المذبوح –سائحة لبنانية كانت ضحية أخرى من ضحايا التحرش الجنسي في الشارع المصري– فيديو حي على منصة فيسبوك تروي فيه تجربتها عن تعرضها للتحرش الجنسي منذ لحظة وصولها مصر والسرقة وغياب الخدمات العامة. ألقي القبض على منى المذبوح، وأحيلت للمحكمة التي أدانتها وعاقبتها بالسجن ٨ سنوات بتهمة إشاعة أخبار كاذبة عبر منصات التواصل الاجتماعي بهدف الإضرار بالمجتمع وإشاعة الفجور.رُحّلت منى المذبوح من مصر بعد أن خفضت المحكمة عقوبتها إلى سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ.

حق ديالا عادل السيوي

في يناير ٢٠١٨ نشرت سماح عبد العزيز لأول مرة على صفحتها الشخصية عن مشكلتها مع والد ابنتها الرافض للاعتراف بابنته ديالا. استطاعت سماح عن طريق التدوين باستخدام وسم #حق_ديالا حملات على منصات التواصل الاجتماعي، دفع قضية نسب ابنتها إلى والدها إلى النور، حيث تفاعل معها العديدين وتلقت الدعم والتشجيع من العديد من المنظمات الحقوقية والنسوية في مصر.

تبدأ القصة من عقد زواج عرفي بين سماح وعادل السيوي والد الطفلة، والذي رفض الاعتراف بها عند ولادتها، وبالتالى لم تتمكن من تسجيلها، وعندما لجأت سماح إلى القضاء في المرة الأولى قبل إطلاقها لهذا الوسم رُفضت القضية في محكمة الأسرة أول درجة.

كانت سماح قد تعرضت للتهديد والابتزاز بسبب شهرة والد ابنتها وعلاقاته الاجتماعية الواسعة، بالإضافة إلى طبيعة مشكلتها وقضيتها التي تستنكر لجوء النساء إلى الزواج العرفي، وتلقى عليهن باللوم دائما. بعد إطلاق الوسم تلقت سماح وطفلتها الكثير من المساندة وبدأت حملات لمناصرتها على منصات التواصل الاجتماعي، كما تولت مؤسسة المرأة الجديدة الجانب القانوني لدعم حق الابنة في النسب والذي أثبتته محكمة الأسرة لاحقا في حكم نهائى لها في عام ٢٠١٩.

كلام في الجنس

تأسست مجموعة كلام في الجنس أو كما كُتب اسمها باللغة الإنجليزية ”The Sex Talk“ في يناير ٢٠١٨ كمجموعة مغلقة على فيسبوك. تعرف المجموعة نفسها على أنها مجموعة مغلقة مختصة بمناقشة كل ما يتعلق بالجنسانية باللغة العربية، أو باللغة الأصلية للمحتوى مع نشر ترجمة له. طرحت المجموعة رؤية تقدمية في تعريفها للعلاقات الجنسية، حيث ضمت المفهوم الأوسع للممارسات الجنسية كالجنس الرضائي ودون النظر للنوع.

أسست المبادرة الباحثة والناشطة النسوية فاطمة إبراهيم، وجاءت فكرة تصميمها لهذه المجموعة بسبب غياب أي مجموعات أو مبادرات على الإنترنت تتحدث عن الجنس بشكل علمي ومرتبط بحقوق المرأة واحتياجاتها الجنسية خارج أطر العادات والتقاليد والدين.

سياسة المجموعة المغلقة عمدت إلى قبول عضوية النساء أو من تعرف نفسها على أنها أنثى، حتى بلغ عدد العضوات عدة مئات. بعدها أصبحت المجموعة أقل في قبول طلبات الانضمام حرصا على خصوصية النساء داخل المجموعة مع زيادة عدد العضوات، ولإتاحة المعلومات باللغة العربية والنقاش حول الجنس وموضوعاته أنشئت صفحة عامة بنفس الاسم على فيسبوك بالإضافة إلى حساب على إنستجرام.

ناقشت الصفحة والمجموعة العديد من الموضوعات الشائكة المتعلقة بالجنس، كالأمراض المنقولة جنسيا، ووسائل منع الحمل، وتصحيح المعلومات الشائعة حول غشاء البكارة، والفحص الذاتى للحماية من سرطان الثدى، والدورة الشهرية، والختان وأضراره الطبية، بالإضافة إلى الهوية الجنسية وكيفية حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية وتقديم ثقافة جنسية مناسبة لهم.

بسبب المحتوى الجريء والعلني للمبادرة على حساباتها العامة، تعرضت صفحة وحسابات المجموعة على منصات التواصل الاجتماعي للعديد من النقد والهجوم، بالإضافة إلى الهجمات الرقمية التي أدت في إحدى المرات إلى إغلاق الصفحة. إلا أن ما يمثل تحديا كبيرا للمجموعة وحساباتها العامة هو سياسة فيسبوك فيما يتعلق بالمعايير المجتمعية الأمر الذي أدى إلى إغلاق فيسبوك لحسابات المجموعة والصفحة عدة مرات بالإضافة إلى مسح المحتوى وإلغائه بحجة تصنيفه محتوى إباحي.

يسرى فودة 

في سبتمبر ٢٠١٨ خرجت داليا الفغال بمنشور تحول من بعده المشهد الإعلامي في مصر ولم يعد كما كان. نشرت داليا في ذلك اليوم عبر حسابها الرسمى وقائع تحرش جنسي على يد المذيع الشهير يسري فودة والذي كان يعمل وقتها في وكالة دويتشه فيله الإعلامية في ألمانيا. نشرت داليا شهادتها في البداية مع ذكر الاسم الكامل للمذيع الشهير، ثم حذفت اسمه لاحقا خوفا من الملاحقة القضائية. مابين المتشككين والمعارضين والشامتين والداعمين لموقف داليا، خرج الصحفي بعد أن أحدث منشورها ضجة بمنشور ينفي فيه هذه الاتهامات معلقا أنه سيخوض حربا فرضت عليه، وأن جميع خياراته مفتوحة.

لاقت شهادة داليا صدى واسعا خاصة حينما بدأت فتيات ونساء أخريات نشر قصص التحرش نفس الشخص بهن جنسيا، إلا أنهن خشين الشكوى أو الكتابة خوفا من نفوذه. بعد تلك الشهادات، نشرت إحدى الصحفيات العاملات بدويتشه فيله شهادتها، والتي احتوت وقائع تعرضها للتحرش والاغتصاب على يد المذيع الشهير والذي كان يرأسها في العمل. هذه الشهادة داخل مقر عمله في دويتشه فيله، استدعت فتح تحقيق داخلي بالوكالة الألمانية، لينتهي بوصول العديد والعديد من شكاوى التحرش الجنسي داخل المؤسسة ضد نفس الشخص، بالإضافة إلى شكاوى قديمة لم يلتفت إليها.

أسفرت الحملة التي استمرت عدة أسابيع في النهاية عن إعلان دويتشه فيله عن وقف برنامج السلطة الخامسة الخاص بالمذيع المذكور، وأن المذيع لم يعد يعمل معها نظرا لانتهاء العقد. طبقا لبعض التحليلات دفعت دويتشه فيله مقابل مادى ضخم للمذيع مقابل إنهاء التعاقد، بالإضافة إلى دفع عدد من التعويضات للعاملات والشاكيات بحقه مع اشتراط عدم الحديث علنا عن وقائع التحرش الجنسي الخاصة بالمذيع داخل القناة.

في نفس الوقت تقدمت الصحفية التي اتهمته بالاعتداء الجنسي بشكوى رسمية ضده، وهو الأمر الذي مازالت تنظر فيه السلطات الألمانية وتحقق فيه. قرر يسرى فودة نتيجة لتلك الشكاوى والقضايا بحقه في ألمانيا، مغادرتها واختيار لندن وجهة له.

المنصة حقها

تعرف مبادرة المنصة حقها على أنها مبادرة حقوقية تهدف إلى دعم النساء ومكافحة التمييز فيما يتعلق بقضية حرمان المرأة المصرية من تولي القضاء، بما يعكسه ذلك على مؤسسات الدولة القضائية وعلى المجتمع. وتسعى المبادرة إلى الدفع بمبدأ سيادة القانون والعدالة واستقلال السلطة القضائية عن طريق الالتزام بما نص عليه القانون والدستور من تمكين المرأة من الجلوس على منصة القضاء، حسب القواعد الدستورية. وتدعو المبادرة في حملتها إلى وقف التحيز الجنسي ضد تعيين النساء في المناصب القيادية بالقضاء.

تأسست المبادرة واقعيا في ٢٠١٤، ورقميا في نوفمبر ٢٠١٨ على يد أمنية جاد الله على إثر منعها هي وخريجات كليات الشريعة والقانون من التقدم لشغل منصب قضائى بمجلس الدولة أسوة بزملائهن الذكور من نفس الدفعة. حاولت أمنية رفع دعوى قضائية إلا أنها لم تربحها في ٢٠١٧، وعادت لرفع قضية أخرى متداولة وهناك طلب إحالة إلى المحكمة الدستورية العليا إلا أنه لم ينظر فيها حتى الآن.

تستند المبادرة في حملتها إلى مواد الدستور التي أقرت حق النساء في التعيين في جميع المناصب القضائية، والاعتماد فقط على الكفاءة كمعيار للتعيين في الوظائف العامة. بالإضافة إلى التزام مصر الدولي وفقا للاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها كاتفاقية السيداو والتي تسعى إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

أطلقت المبادرة عدة حملات توعوية للتعريف بأهمية تولى النساء مناصب قيادية قضائية، بالإضافة إلى الكشف عن العوار القانونى في منعهن من تقلد تلك المناصب بالمخالفة للقانون والدستور. استخدمت المبادرة في حملاتها وسم #HerHonorSettingTheBar و#المنصة_حقها وحرصت على التدوين باللغتين العربية والإنجليزية والفرنسية في بعض الأحيان.

صدر توجيه رئاسي لوزارة العدل بخصوص عمل النساء في مجلس الدولة والنيابة العامة في ٢٠٢١ كواحد من أهم نتائج الحملة في دفع قضية النساء في القضاء للرأي العام، ورغم ما يفتقر إليه هذا التوجيه من إلزام حقيقى وقوى تجاه العمل بالمواد الدستورية واستخدام صيغ عامة مثل ”الاستعانة“ و”في أقرب وقت“ بدون وضع إطار زمني محدد، إلا أنه يبقى أحد إنجازات الحملة وخطوة إيجابية على ضآلتها.

بالاضافة للحملة تواصل أمنية جاد الله رفع الدعاوى القضائية من أجل نيل حقها في التعيين في المناصب القيادية رغم خسارة القضية عدة مرات، ولا تزال تنتظر الحكم في آخر فرصة من فرص التقاضي أمامها.

ساعدت المبادرة منذ نشأتها في دعم خريجات كليات القانون من الدفعات اللاحقة حتى هذه اللحظة لاتخاذ المسار القانوني والقضائي اللازم للحصول على حقوقهن المشروعة في حقهم في التواجد على منصة القضاء.

أصدر مجلس الدولة في نهاية شهر يناير ٢٠٢١ إعلانا للتقدم لوظيفة مندوب مساعد، ولأول مرة أحتوت الشروط العامة للقبول بأنه يمكن للذكور والإناث التقدم إلى شغل الوظيفة، فيما يعد انتصارا أوليا لحركة دؤوبة نحو تمكين المرأة من منصة القضاء ولمبادرة المنصة حقها. فحتى وإن حرمت أمنية جاد الله من التقديم على هذه الوظيفة إلا أنها مهدت الطريق أمام مئات النساء غيرها للحصول على حقوقهن.

٢٠١٩

عاما آخر غير سعيدا على الإنترنت في مصر، حيث بدأ فيه تطبيق تشريعات قانونية تسمح للسلطات بحجب أي مواقع إلكترونية من شأنها أن تهدد الأمن القومي، كما تفرض هذه التشريعات على مقدمي الخدمة استخراج بيانات المستخدمين وتقديمها إلى السلطات الأمنية عند طلبها. بالإضافة إلى حذف الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، وإخضاع أصحابها للغرامة والسجن في حالة اتهامهم بنشر الأخبار الكاذبة. شهد هذا العام إلقاء القبض على ملك الكاشف (عابرة جنسيا) بسبب منشورات على حسابها الخاص على منصات التواصل الاجتماعي.

وأدى إقرار القانون الخاص بوسائل الإعلام وتنظيمها إلى تقليص عدد المواقع الإخبارية، بسبب التهديد المستمر بالغلق أو دفع ٥٠ ألف جنيه للحصول على ترخيص من المجلس الأعلى للإعلام، وشمل هذا الترخيص حسابات التواصل الاجتماعي التي يزيد عدد متابعيها عن ٥٠٠٠ متابع.

بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت في مصر في عام ٢٠١٩، ٤٩٪ من عدد السكان منخفضة بنسبة ١٪ عن عام ٢٠١٨، بينما بلغت نسبة مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي ٤٠٪ من عدد السكان، وبلغت نسبة مستخدمات فيسبوك ٣٦٪ مقارنة بنسبة ٦٤٪ للذكور. وعلى إنستجرام ارتفعت نسبة المستخدمات إلى ٤٢٪ مقارنة بنسبة ٥٨٪ للمستخدمين الذكور، وعلى منصة تويتر بلغت نسبة المستخدمات المصريات ٢١٪ مقارنة بنسبة ٧٩٪ للذكور. وعلى تطبيق سناب شات تجاوز عدد المستخدمات في مصر عدد الذكور حيث بلغت نسبة المستخدمات ٧٣٪ مقارنة بنسبة ٢٤٪ للذكور. وبلغت نسبة المستخدمات على موقع لينكد إن ٢٩٪ مقارنة بنسبة ٧١٪ للذكور.

عمرو وردة

في يوليو ٢٠١٩، وأثناء مشاركة المنتخب المصري في بطولة الأمم الأفريقية في مصر، نشرت عارضة الأزياء المكسيكية جيوفانا فال مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي لعدة رسائل من لاعب منتخب مصر وقتها عمرو وردة، متهمة إياه بالتحرش الجنسي والملاحقة الرقمية.

نشرت جيوفانا تلك التدوينات بعد أن نشرت مريهان كيللر –وهي مصرية من أصل أمريكي– قبلها بعدة أيام عدة رسائل تكشف محاولات اللاعب التحرش بها، ومثّل نشر جيوفانا لتلك التدوينات شكلا من أشكال الدعم وإضفاء المزيد من المصداقية على ما نشرته مريهان.

عقب نشر تلك الرسائل والتي أثارت موجة من الغضب والاستهجان لتصرفات اللاعب على منصات التواصل الاجتماعي، أصدر اتحاد الكرة المصري قرارا باستبعاد عمرو وردة من صفوف المنتخب المصري، وصدق لاحقا الاتحاد الافريقى لكرة القدم على هذا القرار.

إلا ان هذا القرار لم يخل من انتقادات زملاء وردة بالمنتخب كمحمد صلاح وشريف إكرامي وباهر المحمدى الذي رفع القميص ٢٢ في مباراة مصر والكونغو بالبطولة عقب تسديد المنتخب هدف بالكونغو تضامنا مع عمرو وردة ضد حرمانه من اللعب.

عقب المباراة، نشر اللاعب عمرو وردة مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي معتذرا عما بدر منه في الواقعة الأخيرة مؤكدا على عدم تكراره لذلك الفعل مرة أخرى. بعد نشر هذا الاعتذار، تراجع الإتحاد المصري عن قراره باستبعاد وردة، لينضم إلى صفوف المنتخب مرة أخرى في المباراة النهائية، والتي مني فيها المنتخب المصري بالهزيمة.

الجدير بالذكر أن عمرو تنصل لاحقا من الاعتذار العلنى الذي نشره، قائلا أنه نشره تحت ضغط المقربين ومن أجل العودة للعب مرة أخرى، كما أن وقائع التحرشات الجنسية بزوجات زملائه اللاعبين والفتيات في أندية أوروبا لم تتوقف وما زالت مستمرة.

٢٠٢٠

في هذا العام وصلت نسبة مستخدمي الإنترنت في مصر ٥٤٪ من عدد السكان بزيادة ٥٪ عن العام السابق. وصلت نسبة مستخدمات فيسبوك إلى ٣٦٫٨٪ مقارنة بالذكور التي بلغت نسبتهم ٦٣٫٢٪، وبلغت نسبة مستخدمات إنستجرام ٤٣٫٤٪ مقارنة بنسبة ٥٦٫٦٪ للذكور. وارتفعت نسبة مستخدمات سناب شات إلى ٧١٫٩٪ مقارنة بنسبة ٢٦٫٤٪ للذكور. وبلغت نسبة مستخدمات تويتر إلى ٣٣٫٥٪ مقارنة بنسبة الذكور التي وصلت إلى ٦٦٫٥٪. وشهد هذا العام أيضا انخفاضا في نسبة مستخدمات حساب لينكد إن من ٢٩٪ في ٢٠١٩، لتنخفض إلى ٢٦٫٨٪ في ٢٠٢٠.

في مارس ٢٠٢٠ وبدعوى نشر الأخبار الكاذبة فيما يتعلق بحالة الوباء في مصر، ألقي القبض على سيدة في دمياط بسبب نشرها فيديو على فيسبوك يتعلق بانتشار كوفيد ١٩ في محافظة دمياط.

إيد واحدة 

بدأت مبادرة إيد واحدة عن طريق صفحة على فيسبوك بوك، تحت شعار يشجع على تمكين ودعم وتحفيز النساء والفتيات.

أعلنت مؤسسة الصفحة مُلك سعيد، أنها قررت ترك المحاماة وإنشاء الصفحة بسبب وقائع الوفاة الناتجة عن عمليات تشويه الأعضاء التناسلية للنساء المتعددة والتي تعرف شعبيا بمسمى ختان الإناث، والتي توفيت نتيجة لها الطفلة «ندى». دفعت هذه الواقعة مُلك للسعي لإنشاء منصة توفر مساحة حكى آمنة للسيدات والفتيات المعنفات، عن طريق استمارة مجهلة خالية من الاسم وأي معلومات يستدل بها على صاحبة الرسالة. معظم هذه الرسائل نشرت على مجموعة عامة تابعة لنفس الصفحة، جمهورها من الرجال والنساء ونشرت الشهادات عليها تحت وسم #كلانواعالعنفضدالمرأة أو ‎#alltypesofviolenceagainstwomen؜. المجموعة العامة التي أنشئت تابعة للصفحة إلا أنه يمكن لأي شخص نشر أي محتوى من خلالها دون أن يكون متسقا مع هدف المجموعة، لذلك هناك العديد من المنشورات الخاصة بالعقارات، والاستغفار والتسبيح، والإعلانات أو الاسئلة العامة والشائعة، بينما تلتزم الصفحة العامة بنشر الموضوعات والمنشورات التي تهم النساء وترفع الوعى بقضايا العنف الجنسي والتحرش.

من اللافت للنظر أيضا أن جزء من شهرة وذياع صيت المبادرة جاء بعد أن سجلت إسعاد يونس مقطع فيديو بصوتها يشجع النساء على الحديث عن العنف المنزلي والتحرش من خلال مبادرة إيد واحدة.

الاغتصاب الزوجي

أثارت أغنية ”عشان تبقي تقولي لأ“ –غناء وإخراج تميم يونس– ضجة عقب إطلاقها بسبب تحريضها على انتهاك مبدأ التراضي في العلاقات العاطفية، خاصة في بلد تعاني معظم نسائه من التحرش الجنسي ولا يجرم فيها الاغتصاب الزوجي.

فجأة وبدون مقدمات خرجت ندى عادل في مقطع فيديو مصور على إنستجرام تشكو من تعرضها للاغتصاب الزوجي على يد طليقها تميم يونس. طالبت ندى في الفيديو الذي بثته إلى ضرورة تجريم الاغتصاب الزوجي، مؤكدة أن الأمر استغرق منها عاما حتى تستطيع البوح به.

أثار حديث ندى عادل موجة من الدعم والتعاطف معها، وفتح الحديث حول ضرورة تجريم فعل الاغتصاب الزوجي، جنبا إلى جنب مع استهجان البعض لهذا المصطلح واعتباره دخيلا على الثقافة المصرية.

منة عبد العزيز

اشتهرت منة عبد العزيز بالعديد من الفيديوهات التي جذبت انتباه العديد من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، كانت تؤدي فيها الغناء والرقص والاستعراض من خلال الموسيقى والأغاني. فوجيء متابعي حساب منة في مايو من هذا العام بخروج منة عن طريق حساب آخر غير حسابها في فيديو مصور باكية بشعر حليق ووجه متورم عليه آثار الضرب. استنجدت منة من خلال الفيديو بالمتابعين بعد أن تعرضت للاغتصاب والتعذيب والسرقة على يد مجموعة من الشباب وبمعاونة بعض الفتيات.

أشعل فيديو منة مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم #حق_منه_عبدالعزيز، ونتيجة لذلك بعد ليلتين ألقي القبض على منة وكل من ذكرتهم في الفيديو الذي بثته. في البداية وجهت النيابة تهمة التحريض على نشر الفجور على منصات الاتصال الاجتماعي إلى منة، بالإضافة إلى اتهام الباقيين باغتصاب وتعذيب منة وسرقتها وانتهاك عرضها. لاحقا أسقطت النيابة الاتهامات التي وجهتها إلى منة وأُودعت إحدى دور رعاية القُصّر، وحكم على بقية المتهمين بالسجن عامين مع الغرامة.

وجبات صحية لمرضى كورونا

في بداية أزمة كوفيد ١٩، اختارت الصحفية المصرية بسمة مصطفى بدلا من الانسياق وراء نوبات الذعر التي انتابت غالبية المجتمع، أن توظف المشاعر المضطربة في محاولة منها لمساعدة مرضى كورونا المعزولين وحدهم، خاصة بعد تواتر الأخبار عن امتناع بعض المحلات من توصيل الاحتياجات المنزلية والطعام إلى المرضى المعزولين بمنازلهم.

قررت بسمة بمجهود ذاتي إطلاق مبادرة تساعد في سد احتياجات الحالات المصابة من أكل صحى مع توصيله إلى منازل المصابين، عن طريق مجموعة من المتطوعين لتحضير الطعام وتوصيله، بالإضافة إلى متبرعين للمواد الغذائية.

اعتمدت المبادرة في عملها على توفير استمارات للمتطوعين وللمرضى، وتقسيم المهام على المتطوعين، الطهي وإحضار المواد الغذائية، والتوصيل، بالإضافة إلى استمارة أخرى للمرضى أو للتبليغ عن المرضى وعدد أفراد الأسرة المصابين وأماكن تواجدهم.

لاقت مبادرة بسمة مصطفي رواجا بشكل ملفت وجذبت العديد من المتطوعين، وانبثقت منها عدة مبادرة غير مركزية متخصصة حسب المناطق. انضم لمبادرة بسمة في أيامها الأولى ما يزيد عن ٣٥ ألف مستخدم على المجموعة التي أُنشئت على فيسبوك.

منطقة راحة للأمهات

بدأت مبادرة منطقة راحة للأمهات أو كما كُتب اسمها باللغة الإنجليزية ”Mothers Comfort Zone“، عن طريق مجموعة مغلقة على فيسبوك تضم النساء فقط. تهتم صفحة المجموعة المغلقة بالتنشئة السليمة للأطفال والاهتمام بالصحة النفسية والعقلية للأمهات. ووصل عدد المشتركات بالمجموعة المغلقة إلى ٣٥٫٧ ألف عضوة.

تأسست صفحة عامة تابعة للمجموعة المغلقة بنفس الاسم بعد ستة أشهر من إنشاء المجموعة، ويشرف على إدارتها مجموعة من المتطوعات. تُعرف الصفحة العامة نفسها بأنها مبادرة تعليم حرة لكل أم، ومعنية بدعم النساء خاصة الأمهات خلال مراحل الحمل والولادة وتنشئة الأطفال على نهج التربية الايجابية الحديثة، كما تهدف إلى خلق مساحة آمنة تمكن الأمهات من التحدث بحرية والشعور بالدعم اللازم بواسطة المتخصصين الداعمين لصحة المرأة والطفل في مختلف المجالات.

توسع نشاط مبادرة منطقة راحة للأمهات إلى أن وصل إلى إنشاء موقع إلكتروني تحت نفس الاسم والشعار، قائم على مساهمة المتطوعات في كتابة وتحرير المقالات وتصميم الصفحات. ويوفر الموقع خدمة تحت اسم ”الشغل للستات“، لدعم النساء أصحاب المشروعات. عن طريق تلك الخدمة يختار القائمين على الموقع مشروع من مشروعات النساء اللاتي تراسلهن للنشر عنه تحت وسم #الستات_لبعضيها لدعمه والإعلان عنه على صفحاتهم وتشجيع بقية النساء لتأسيس مشروعاتهن المستقلة.

الموقع والمجموعة المغلقة الآن لهم منصات على معظم منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وإنستجرام.

شرطة الاعتداءات

أسست نادين أشرف في بداية شهر يوليو، مبادرة شرطة الاعتداءات أو كما كُتب اسمها باللغة الإنجليزية ”Assault Police“، وهي مبادرة مهمومة بقضايا العنف الجنسي بجميع أشكاله. قررت نادين –طالبة الفلسفة بالجامعة الأمريكية في القاهرة– إنشاء حساب شرطة الاعتداءات كحساب مجهّل على إنستجرام، بعد حذف منشور لطالبة أخرى على أحد المجموعات الإلكترونية الخاصة بطلاب الجامعة الأمريكية، تحذر فيه تلك الطالبة من شاب متهور من عائلة ثرية، لإنه متحرش ومبتز جنسيًا ويضايق الفتيات في الجامعة.

قررت وقتها نادين نشر صورة واسم الشاب كاملا وهو أحمد باسم ذكي، ومعها مضمون التحذير ففوجئت نادين في اليوم التالي بحوالي ٣٠ رسالة من فتيات أخريات أكدن أنهن تعرضن للاعتداء أو الاغتصاب من نفس الشاب. وفي خلال أسبوع وصل عدد متابعي حساب شرطة الاعتداءات إلى ٧٠ ألف متابع، وتدفق على الحساب العديد من شهادات التحرش الجنسي، فتحول هذا الحساب إلى منصة جريئة من نوع جديد في دعم قضايا النساء. قُبض على أحمد باسم ذكي سريعا، ووجهت له السلطات تهم بالاعتداء الجنسي على قاصرات، فضلا عن تهم متعددة بالابتزاز والتحرش، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات في نهاية نفس العام.

في أواخر يوليو، نشر حساب شرطة الاعتداءات عن الواقعة التي عرفت إعلاميًا في ما بعد باسم ”جريمة الفيرمونت“، وهي الواقعة التي تتهم خمسة شباب ينتمون إلى عائلات ثرية ذات صلات ونفوذ، باغتصاب جماعي لإحدى الفتيات استدرجها المتهمين خلال حفل في فندق ”فيرمونت نايل سيتي“ إلى غرفة بالفندق بعد أن وضعوا في مشروبها مخدرا، ثم تناوبوا على اغتصابها، وكتبوا أسماؤهم على جسدها وصوروا الواقعة وتداولوها بين أصدقائهم. وبالرغم من أن جريمة الفيرمونت حدثت في عام ٢٠١٤ إلا أن الضحية كتمت شهادتها طيلة تلك السنوات خوفا من انتقام مغتصبيها ونفوذ عائلاتهم حتى وإن سافرت خارج البلاد، ولم تتشجع على الحديث إلا بعد انتشار الشهادات عن أحمد بسام زكي ومتابعتها لرد فعل الحملة.

في أغسطس، أصبحت جريمة الفيرمونت حديث مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت السلطات في اتخاذ إجراءات للقبض على المتهمين في هذه القضية، وعلى أثر ذلك تعرضت نادين إلى تهديد لأمنها الشخصي، فقررت تعليق حساب شرطة الاعتداءات، ثم عادت مرة أخرى إلى تشغيله بعد عشرة أيام، ليركز أكثر على توعية النساء بحقوقهن ودعمهن في الحديث عن ما يتعرضن له.

اختارت وكالة بي بي سي نادين أشرف كواحدة على قائمة أكثر النساء تأثيرًا وإلهامًا في عام ٢٠٢٠.

بعد إذن الأسرة المصرية

لم تكن منة عبد العزيز أولى الفتيات اللاتي تُحاسب على نشر محتوى ينتهك قيم المجتمع المصري، فقد بدأت السلطات الأمنية في استهداف مجموعة من المؤثرات (influencers) على منصات التواصل الاجتماعي على تيك توك وانستجرام بتهمة الاتجار في البشر ونشر محتوى يهدد قيم الأسرة المصرية، بداية من أبريل ٢٠٢٠.

ألقت السلطات القبض على حنين حسام ومودة الأدهم بسبب محتوى بصري نشرتاه يقدم طرقا للربح باستخدام مجموعة من تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي. وفي أقل من ثلاثة أشهر وصل عدد المقبوضات عليهن بزعم تقديمهن لمحتوى منافي للآداب العامة ولقيم الأسرة المصرية، وإدارة حسابات عبر الشبكة المعلوماتية لارتكاب تلك الجرائم، ونشر مقاطع مصورة خادشة للحياء وإثارة الغرائز بقصد جذب المشاهدين وجمع المال، إلى تسع نساء.

أطلقت مجموعة من النسويات المصريات حملة تضامن واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي على وسم #بعد_اذن_الاسرة_المصرية، بسبب زيادة وتواتر عمليات القبض على النساء. جاءت حملة المناصرة ساخرة من التهم الفضفاضة التي وجهت لهن بالتعدي على قيم الأسرة المصرية والمجتمع المصري، متسائلات عن ماهية تلك القيم، وإذا كانت تختلف من أسرة لأخرى ومن طبقة لأخرى، مشيرات للاستهداف الواضح لمجموعة بعينها من النساء، نساء الطبقة أقل من المتوسطة، على غرار الموقف الداعم لنساء الطبقة المتوسطة –سواء الشاكيات في حوادث العنف الجنسي أو المشرفات على مبادرات تتناول العنف الجنسي والعلاقات الجنسية بشكل عام.

اتكلمي

ترفع مبادرة اتكلمي أو كما كُتب اسمها باللغة الإنجليزية ”Speak Up“، شعار فتيات تدعم فتيات، وهي مبادرة نسوية أسستها طبيبة الأسنان جهاد حمدي. أسست المبادرة على منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وإنستجرام في يوليو ٢٠٢٠، كرد فعل على الزيادة المخيفة في حوادث التحرش بالمجتمع المصري، وازدياد حدة العنف المصاحب لتلك الحوادث ضد النساء.

وصل عدد متابعي المبادرة على فيسبوك إلى ٣٤٧٫٦١٦ متابع وعلى إنستجرام إلى ٢٠٥ ألف متابع. وتعمل المبادرة على إطلاق حملات توعية ضد التحرش، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والقانوني لضحايا التحرش الجنسي. كما توفر المبادرة مركز مساعدة على موقعها الإلكتروني يحتوي على قاعدة بيانات للهيئات والمنظمات العاملة في التصدي للعنف والتحرش ضد النساء وتقديم العون لهن. وتهدف المبادرة إلى توفير مساحة حكى آمنة لضحايا التحرش الجنسي مع كامل حقهن في تجهيل هويتهم، دون أحكام مسبقة أو وصم اجتماعي.

تبنت المبادرة العديد من الحملات، أو شاركت مع مبادرات أخرى في حملات ضد متحرشين. من أهم الحملات التي شاركت فيها المبادرة، هي الحملة التي أدت إلى تقديم مايكل فهمى إلى القضاء وإدانته، والحملة على طالب الجامعة الأمريكية أحمد بسام زكى الذي نشرت ضده عدة شهادات تسرد وقائع تحرش وعنف جنسي، كما شاركت في حملة ضد متحرش المعادي الذي تحرش بطفلة في مدخل عمارة سكنية، والوقائع المعروفة إعلاميا بأسماء: ”متحرش القطار“، و”متحرش المترو“، و”متحرش المطار“. ورغم الأثر الإيجابي للحملات التي أطلقتها المبادرة، إلا أن هذا لم يمنع استقبالها للعديد من الرسائل التحريضية والتهديدات بمقاضاتها.

الجدير بالذكر رغم أن المجموعة ترفع شعار مكافحة العنف ضد النساء، إلا أنها تبنت مؤخرا حملة ضد طبيب الاسنان المعروف باسم سمير، بسبب شهادات تحرش واعتداء جنسي ضد الرجال.

دفتر حكايات

أنشأت مدونة دفتر حكايات في يوليو ٢٠٢٠ كمدونة مُجهّلة لحكايات النساء مع العنف الجنسي في مصر، فعملت المدونة على نشر شهادات لنساء دون ذكر أسمائهن عن حوادث عنف جنسي في مصر، مع نشر الحروف الأولى للمعتدين. أثارت المدونة البلبلة مع كل شهادة نشرتها خاصة بعد تطوع العديد من المتفاعلات مع التدوينات بنشر الاسم الكامل للمعتدي.

تتبنى مدونة دفتر حكايات نشر مجموعة كبيرة من شهادات ناجيات/ضحايا العنف الجنسي حول ما مررن به، وحول رحلة تعافيهن، وتوفير مساحة آمنة تديرها نساء وتستخدمها نساء، لمن ترغب أن تشارك روايتها عن الاعتداء أو التحرش الجنسي أو الاغتصاب. وتعرف القائمات على إدارة وإنشاء المدونة أنفسهن بأنهن مجموعة من النسويات المصريات المستقلات المؤمنات بحق تواجد النساء في مساحات آمنة في المجال العام، دون التعرض للتهديد أو العنف الجنسي أو التمييز.

تعرضت المدونة للهجوم والنقد من العديدين حتى في بعض الأحيان من مناصري ومناصرات القضية بدعوى أن نشر الشهادات مجهلة يفقدها المصداقية، كما أن نشر الأحرف الأولى للمعتدين ووصمهم بهذا الوصف يوسع دائرة الشك والاتهامات.

بالإضافة إلى ذلك تعرضت المدونة للهجوم والتشنيع بعد كل شهادة والتهديد بإغلاقها أو محاولة تشويه الهدف الأساسي للمدونة ونشر الشهادات. للدرجة التي دفعت أحد المعتدين في إحدى الشهادات التي نشرت إلى تدبير خطة مع فتاتين لفبركة إحدى الشهادات وإرسالها إلى المدونة للتشكيك في مصداقية ما ينشر عليها ومحاولة منه لتبرئة نفسه.

في ديسمبر ٢٠٢٠ ونتيجة لنشر مجموعة من الشهادات تتعلق بأحد المخرجين، والتي أدت إلى إلغاء المؤتمر الصحفي الخاص بعرض فيلمه في أحد المهرجانات السينمائية، وبعد حملة دعم وتضامن غير مسبوقة مع الضحايا، رفع هذا المخرج دعوى سب وقذف ضد اثنتان من المتضامنات مع الضحايا.

رغم ذلك حققت المدونة العديد من الانتصارات الصغيرة من خلال نشر شهادات النساء، ففي واقعة الصحفي هشام علام شجعت نقابة الصحفيين المصرية السيدات والصحفيات بالتقدم ببلاغ بحقه واعدة بدعمهن. كما أوقفت عدد من منظمات ومنصات إعلامية التعامل معه على خلفية هذه الشهادات التي جرى التحقق من أغلبها. كما دفعت الشهادات التي نشرت أيضا ضد المخرج إسلام عزازي نقابة السينمائيين إلى إصدار بيان يوضح فيه ضوابط اختبارات أداء الممثلين، تجنبا لتكرار وقوع مثل تلك الحوادث مرة أخرى!

فتاة ميت غمر

توالى فضح حالات التحرش الجماعى منذ ٢٠١١، وتكثف تسليط الضوء عليها، وساعد توثيق تلك الحوادث إلكترونيا في إثارة وفتح النقاش المجتمعي حول جريمة التحرش الجنسي الجماعي، وأصبح معتادا تصدر العديد من الوسوم لحوادث التحرش الجماعي. إلا أن حادثة بسنت أو فتاة ميت غمر، بالإضافة إلى كونها واقعة تحرش جماعى فإن محامى المتهمين أصبح متورطا بعد إذاعته وبثه على منصات التواصل الاجتماعي فيديو تهديد وتحريض وتحرش ببسنت.

تعرضت بسنت للتحرش على يد سبعة شباب بمنطقة ميت غمر في طريق عودتها إلى منزلها، وعندما حاولت الاحتماء بأحد الكافيتريات، ظل الشباب منتظرين لوقت طويل أمام المكان، وعندما قررت الخروج تناوبوا الاعتداء الجسدي عليها، بعد أن أحاطوها من كل جانب. لجأت بسنت إلى أحد الجراجات الموجودة بالحي، ولاحقها الشباب هناك ورددوا العديد من عبارات التهديد بالاغتصاب. حاول صاحب الجراج التدخل وقام باصطحاب بسنت في سيارته، إلا أنهم لاحقوه بدراجة بخارية لكنه تمكن من الفرار منهم في النهاية.

في نفس اليوم نشرت بسنت على موقع تويتر ما تعرضت له ليتصدر بعدها بوقت قليل وسم #ادعم_فتاة_ميت_غمر و#حق_بسنت_فين نقاشات كل منصات التواصل الاجتماعي. في اليوم التالي حررت بسنت محضرا ضد الشباب السبعة لتبدأ بعدها رحلة تهديد وترويع تعرضت لها هي وأسرتها. بعد خروج فيديو محامى المتهمين على منصات التواصل الاجتماعي، حررت بسنت محضرا آخر ضده وضد محامى أخر زميله هددها.

برأت المحكمة المتهمين السبعة في قضية بسنت بعد أن غير الشهود شهادتهم، ولازالت المحكمة تنظر في طلب النقض الخاص بها. وبالنسبة للبلاغ المقدم في محاميا المتهمين، حُكم على هانى عبادة بالسجن سنتين مع إيقاف التنفيذ، وغرامة ٣٠٠ ألف جنيه خُفضت إلى سنة مع وقف التنفيذ و٥٠ ألف جنيه غرامة، وعلى المحامى الأخر ٦ أشهر حبس وغرامة ١٥ ألف جنيه.

تحليل

أخذت الإنترنت بعد أحداث ثورة يناير ٢٠١١ منحى جديد في علاقة المواطنين والمواطنات بها، فتحولت من وسيلة لمتابعة الأخبار والتواصل الاجتماعي لوسيلة تنظيمية بالأساس ووسيلة حشد من خلال منصات التواصل الاجتماعي. سجلت أعداد المستخدمين في ذلك العام والعام الذي تلاه أعلى معدلات استخدام منصات التواصل الاجتماعي، ورغم ذلك إلا أن عدد المستخدمات النساء للإنترنت لم يشهد هذه القفزة، وإن شهد بداية لظهور بعض المجموعات النسوية والمبادرات التي تقودها النساء عبر منصات التواصل الاجتماعي.

مرت عشر سنوات من ٢٠١١ وحتى ٢٠٢٠ حتى لحظات الاختناق الحالية والتي تشهد العديد من التضييقات التشريعية والقانونية والأمنية على النشاط الإلكتروني العام على الإنترنت. إلا أن المفارقة أن عدد المبادرات التي انطلقت خلال السنوات الأخيرة وفي ٢٠٢٠ بلغ ضعف عدد المبادرات النسوية أو المبادرات التي تقودها النساء في ٢٠١١. وهو ما قد يؤدي إلى افتراض أن رغم المساحات غير المقيدة للإنترنت في ٢٠١١، إلا أن النساء لا يزلن يتحسسن طريقهن نحو اكتشاف الإنترنت كأداة ووسيلة لتحقيق أهدافهن.

ورغم التضييق الذي تميزت به السنوات الأخيرة إلا أن استيعاب النساء لقدراتهن على التنظيم، والتوجيه، والحملات، والنشر، وإنشاء المبادرات زاد بشكل ملحوظ، كما اكتسبن جرأة وثقة دفعتهن إلى طرح القضايا الجدلية للنقاش على الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي وعدم حصر النقاش في الموضوعات المعتادة التي اتسمت بها الأعوام الأولى منذ ٢٠١١، مثل التحرش الجنسي وتشويه الأعضاء التناسلية للنساء، لتنتقل العديد من المجموعات لمناقشة موضوعات تتعلق بمبدأ التراضي الجنسي في العلاقات العاطفية، والاغتصاب الزوجي، والإنجاب خارج مؤسسة الزواج التقليدية، واستقلال الفتيات، ودعم الاستقلال المادي للنساء، وغيرها. فظلت موضوعات التحرش الجنسي والعنف ضد النساء في مقدمة المبادرات التي لا يزال يُحشد لها، جنبا إلى جنب مع محاولات النساء لرفع سقف نقاش القضايا النسوية بعيدا عن الطرح والموضوعات المعتادة.

التضامن النسوي ضد منصات التواصل الاجتماعي 

رغم محدودية الموضوعات النسوية المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي، ومحاولة بعض الحركات السياسية وضع أولويات للنضال والمطالب لا تشمل حقوق النساء، كما ظهر جليا في الإعتداء على مسيرة في وسط القاهرة في اليوم العالمي للنساء في ٢٠١١. إلا أن ذلك لم يثنى المجموعات النسوية عن العمل على فرض أجندتها على الساحة، خاصة ضد تعنت منصات التواصل الاجتماعي كفيسبوك.

اكتسبت مبادرة انتفاضة المرأة في العالم العربي زخما هائلا في أكتوبر ٢٠١١، بعد أن حذفت إدارة فيسبوك منشورا لعدد من المدونات ومديرات الحملة وتعطيل حسابات مديرات الحملة. احتوى المنشور المحذوف على صورة للناشطة دانا بقدونس بدون حجاب وهي تحمل جواز سفرها الذي تظهر صورتها فيه بالحجاب، مع لافتة كتبت عليها: ” أنا مع انتفاضة المرأة في العالم العربي لأني كنت محرومة ولمدة عشرين سنة من أن يلامس الهواء جسدي وشعري“. تسببت تلك الصورة في حملة رقمية للإبلاغ عن المنشور كمحتوى مسيء، ليحذف المنشور ويعطل أي حساب يعيد نشر الصورة، بما فيهم حسابات مديرات الصفحة.

اضطر فيسبوك إلى التراجع عن هذه الإجراءات بعد أن تعرض إلى حملة ضغط إقليمية وحملة جمع توقيعات وإعادة نشر المنشور آلاف المرات، الأمر الذي أجبر فيسبوك على التراجع عن موقفه. يمكننا تصنيف هذه الحملة وهذا الإجراء كأول انتصار نسوي خالص بعيدا عن الحراك السياسي في المنطقة العربية ضد منصات التواصل الاجتماعي وسياستها الأبوية.

لغة الخطاب المستخدمة 

بالرغم من أن المجتمع المصري يعرف نفسه بأنه مجتمع محافظ، يمكنك كفرد إطلاق ما تشاء من السباب والألفاظ المسيئة أو الكلمات التحقيرية في الأماكن العامة أو الأحاديث الجانبية الشخصية أو أثناء الشجار، طالما وُلدت ذكرا! أما إذا كنتِ تعرفين نفسك كأنثى، يصبح ترديد تلك العبارات أو الكلمات أو التوصيفات أو نشرها من خلال منشورات عامة على منصات التواصل الاجتماعي، أمرا غير مقبول على الإطلاق!

فرضت الطبيعة السياسية لعام ٢٠١١ والأعوام التي تلته حدة في الحراك السياسي، الأمر الذي صاحبه عنف على المستوى اللفظي والجسدي والذي نالت النساء القدر الأعظم منه. حين حاولت مجموعة من النساء الحديث وتوثيق ما يتعرضن له في الشارع المصري من عنف لفظي وجسدي، هاجت المواقع الاجتماعية، ليس من فداحة التحرش والعنف الذي تعرضت له تلك النساء، ولكن من جرأة اللغة المستخدمة لتوصيف ما وقع عليهن من أذى.

ربما تكون هذه المرة الأولى التي اتسمت فيها النساء بالجرأة على مواقع التواصل الاجتماعي لتسجيل ما يتعرضن له بدقة، وبدلا من الغضب مما تعرضن له، كان الغضب من استخدام الألفاظ الجريئة التي عبرن بها عما حدث لهن! الاستهجان والاستنكار لم يلق صدى عند معظم النساء وهو ما ساهم بشكل كبير في تغيير المزاج العام وتقبل طرح النساء لما تعرضن ويتعرضن له وتفهم غضبهن وأولوية توجيه الغضب للمتحرشين والمعتدين بدلا من صب الغضب على الضحايا ولغتهن وطريقة تعبيرهن أثناء وصف ما تعرضن له. فتغيرت سردية ”التحرش الجنسي نتيجة لملابس النساء“ إلى تجريم التحرش وعقاب المتحرش!

تعديلات على قانون التحرش الجنسي وقانون حماية الشهود

صدر المرسوم رقم ١١ لعام ٢٠١١ نتيجة لكثافة الخطاب الخاص بمكافحة التحرش، وتداول وقائع التحرش الجنسي والتي ساهمت الإنترنت في نقل صورة حية لبعض من تلك الوقائع. غلظ المرسوم العقوبات على جرائم التحرش بجميع أشكاله بما في ذلك التحرش بالوسائل الرقمية، حيث استُبدلت نصوص المواد أرقام ٢٦٧، و٢٦٨، و٢٦٩، و٢٦٩ مكرر، و٢٨٨، و٢٨٩، و٣٠٦ مكرر ”أ“ من قانون العقوبات.

وبعد مجموعة الإعتداءات الجنسية التي وقعت في ميدان التحرير في ٢٠١٤، أضيفت المادة ٣٠٦ بعد التعديل إلى قانون العقوبات رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧، والتي وصفت جريمة التحرش الجنسي لأول مرة في قانون العقوبات المصري، ليتم ”المعاقبة بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض لأنثي على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل في طريق عام أو مكان مطروق. ويسرى حكم الفقرة السابقة إذا كان خدش حياء الأنثى قد وقع عن طريق التليفون. فإذا عاد الجاني إلى ارتكاب جريمة من نفس نوع الجريمة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين مرة أخرى في خلال سنة من تاريخ الحكم عليه في الجريمة الأولى تكون العقوبة الحبس وغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ثلاثة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.“.

ولم يكتف التعديل الأول بتوصيف جرائم التحرش الجنسي في الشارع، بل امتد إلى تجريمها على وسائل الإتصال السلكية أو اللاسلكية، لتشمل الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي. وصدر القانون رقم ١٤١ في ٢٠٢١، والذي غلظ عقوبة التحرش الجنسي في المادة ٣٠٦ مكرر من قانون العقوبات المصري، وحول جريمة التحرش الجنسي من جنحة إلى جناية لا تقل مدة الحبس فيها عن عامين، وشمل توصيف التحرش باستخدام منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت، كما جعل من استغلال النفوذ والمنصب للحصول على منفعة جنسية سببا لتغليظ العقوبة إلى سبع سنوات من السجن!

كما وافق مجلس الشعب في ٩ يوليو ٢٠٢٠، على نص قانون يسمح لقاضي التحقيق عدم إثبات بيانات المجني عليها في جرائم التحرش الجنسي وهتك العرض بحيث يفتح ملف فرعي يضمن سرية بيانات المجني عليها كاملة، يعرض على المحكمة كلما طُلب ذلك، نتيجة للحملة التي بدأتها مبادرة شرطة الاعتداءات ضد أحمد بسام زكي، وإحجام العديد من الفتيات عن التقدم بالشكوى رسميا خوفا من التشهير بهن، أو تسريب بياناتهن لأهل المتهم. يهدف القانون الجديد وتعديلاته إلى

بالرغم من صدور قانون يهدف لتشجيع الفتيات على التقدم ببلاغات ضد المتحرشين دون الخوف من التشهير بهن، إلا إن نفس المشكلة مازالت مستمرة بسبب عدم تنفيذ القانون والتقيد به. فمثلا في واقعة فتاة ميت غمر، عند تقدم الضحية بالبلاغ ضد المتحرشين بها والمعتدين عليها جنسيا، تداولت معظم المواقع الإلكترونية صورها وبياناتها الشخصية في اليوم التالي للبلاغ، مع إخفاء هوية المتهمين، وذلك خلافا للمادة رقم ١١٣ مكرر المضافة حديثا إلى قانون الإجراءات الجنائية والتي تقضي بحماية وحفظ بيانات وخصوصية ضحايا التحرش الجنسي.

التغير النوعي في طبيعة المبادرات النسوية

لم تكن أبدا حملة #أناـأيضًا في مصر ذات مدة زمنية محددة، أو مجرد رد فعل عالمي لحملة أكبر، لكنها كانت لحظة بداية هامة في مصر وكانت بمثابة إلقاء حجر في المياه الراكدة، وضجيجها أرق الكثيرين وهدد بعضهم ودفع العديد من المؤسسات التقليدية لمحاولة التصدي لعمليات البوح النسائي حفاظا على امتيازاتهم. كانت لحظة ملهمة بإمتياز، رفعت سقف النقاشات والحدود بجرأة، ووضعت حق النساء والتراضي في العلاقات كأساس بعيدا عن الدين والثقافة. وكل نقاش مجتمعي تلا تلك الحملة مدين لها بالضربة الأولى في رفع سقف التوقعات والنقاش المجتمعي حول القضايا النسوية بدءًا من الجنس الرضائي سواء داخل العلاقات الزوجية أو خارجها إلى المطالبة بتجريم الاغتصاب الزوجي.

تغيرت نوعية المبادرات النسوية منذ ٢٠١٧ وحتى هذه اللحظة وشهدت زخما أكبر، وإن لم تخلُ من مبادرات مكافحة التحرش الجنسي، إلا أن لغة الخطاب المطروح والرؤية حول قضايا التحرش تغيرت. فبعد أن كانت لغة الخطاب تميل إلى المحافظة وتستخدم القيم الأبوية في بعض الأحيان، أو تغازل الحس الشعبى في ضرورة حماية النساء، جاءت لغة الخطاب في الأعوام الأخيرة من مبدأ حق النساء في بيئة آمنة وخالية من التحرش، وحق وحرية النساء في ارتداء ما يلائمهن من ملابس، فالنساء ضحايا التحرش الجنسي ولا يجب لوم أي امرأة تعرضت للتحرش بسبب نوع ملابسها، أو نشاطها الاجتماعي أو الجنسي.

صاحبت حملة #أناـأيضًا العالمية حملة موازية باللغة العربية على المستوى المحلي في مصر، والتي شهدت مشاركات إقليمية لإلقاء الضوء على التحرش الجنسي في مصر. ساعدت تدوينات هذه الحملة العديد من النساء على استخدام الإنترنت لرواية قصص تحرش جنسي، من خلال ممارسات جنسية غير رضائية. بمعنى عدم التقيد بالتوصيف التقليدى للممارسات الجنسية خارج منظومة الزواج والتصريح بالعلاقات الرضائية وتوصيف الجنس غير الرضائي وتعريفه كاعتداء جنسي.

أولى تلك الوقائع التي أعقبت حملة #أناـأيضًا العالمية كانت عبارة عن رسالة على البريد الإلكتروني، تروي وقائع تحرش جنسي داخل إحدى المؤسسات الحقوقية المصرية متهمة عضوين فاعلين ومؤثرين في الحركة الحقوقية بالاغتصاب والتحرش الجنسي الذي وقع عليها منذ عدة سنوات. لم يكن صدى تلك الرسالة ووقعها أمرا هينا إذ أحدث صدعا داخل الحركة الحقوقية في مصر، ولكن المكاسب الاجتماعية والنسوية من تلك الواقعة صارت حجر الأساس لمبادرات أخرى انطلقت من تلك الأرضية المكتسبة.

طرحت واقعة ”فتاة الإيميل“ كما اصطلح على تسميتها وقتها، ولأول مرة بشكل خالي من الذنب فكرة الممارسات الجنسية خارج مؤسسة الزواج كأمر مسلم به دون تبرير، واعتبار أي علاقة جنسية غير رضائية حتى وإن كانت في إطار مؤسسة الزواج هى اغتصاب أو تحرش. وطرح لأول مرة بشكل قوي ومباشر مبدأ التراضي في العلاقات الجنسية والذي يشمل الوعي والموافقة الصريحة غير الضمنية على الممارسة الجنسية.

لم تكن مناقشة تلك الموضوعات على الإنترنت حينها بسهولة الكتابة عنها الآن. فقد انقسم جمهور منصات التواصل الاجتماعي وقتها ما بين الصدمة والاستنكار لفكرة طرح موضوعات عن الجنس ومناقشة الجنس خارج مؤسسة الزواج والاعتراف به، وما بين محتد ومحتج على مناقشة قضايا جنسية تمس أفراد في الحركة الحقوقية مما قد يسيء إلى الحراك ويعطى فرصة للخصوم لاستغلال تلك الوقائع وهو ما حدث بالفعل. إلا أن كل ذلك لم يوقف النقاش حول تعريفات التراضي والتحرش الجنسي والاغتصاب. ولربما تكون كل مبادرة نسوية انطلقت لمناقشة التحرش الجنسي في مصر من منطلق تقدمي مدينة لهذه الواقعة وصاحبتها في رفع سقف النقاش على منصات التواصل الاجتماعي، وتمهيد الطريق ليصبح المجتمع أكثر جرأة وحسم في إدانة التحرش والاعتداء الجنسي والاغتصاب دون النظر للسياق الذي وقع فيه. وهو ما يمكن ملاحظته في المبادرات التي انطلقت ضد أحمد بسام زكي، وقضية جريمة الفيرمونت، وضد الإعلامي يسري فودة، والشهادات المنشورة على مدونة دفتر حكايات.

اختلف نوع قضايا التحرش التي يجري كشفها والحديث عنها، فلأول مرة تناقش تابوهات كالتحرش الجنسي داخل المؤسسات الدينية، وهو أمر غير يسير على الإطلاق مع حساسية تناول أي موضوعات تتقاطع مع الدين والجنس في نفس الوقت خاصة وإن كانت تنال من رجال الدين مثلما حدث في وسم #خادم_متحرش.

نستطيع رصد التغير النوعي أيضا في الجرأة في طبيعة المبادرات بعيدا عن قضايا التحرش، كتأسيس مجموعات مغلقة للنساء تتبنى تعريف تقدمى للنساء ”بقبول أي فرد يعرف نفسه كامرأة“ لتشمل في عضويتها العابرات جنسيا، بالإضافة إلى مناقشة موضوعات خارج الأطر التقليدية تتعلق بحقوق الجسد، والممارسات الجنسية، والصحة الجنسية والعلاقات الجنسية بين النساء، ووسائل منع الحمل، والجنس الفموي وغيره.

على مستوى موازي كانت الإنترنت وسيلة تنظيم للمجموعات التقليدية المهتمة بموضوعات الزواج والأمومة ومشكلاتها، وإن لم تستثنى من عضويتها العازبات أو المتزوجات بدون أطفال في المجموعات المهتمة بموضوعات الأمومة والإنجاب!

لم يتوقف الأمر عند مستوى المجموعات وتنظيمها، بل تعدى إلى استخدام النساء للانترنت كوسيلة حماية، أو منصة للحصول على الحقوق الضائعة وهو ما يمكن ملاحظته في حملة #حق_ديالا عادل السيوي والتي اكتسبت شعبية وتعاطفا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي دون الدخول في تفاصيل فرعية تتعلق بدخول الأم في علاقة خارج الأطر المحافظة، والإنجاب، والاعتراف بالابنة والسعي للحصول على حقوقها بدون خطاب الاستتابة والاعتراف بالخطأ، ولكن من منطلق حقوقى بحت يتعلق بحق الطفلة. رغم أن الخصومة في قضية عادل السيوي كانت غير متكافئة على مستوى النفوذ والتأثير وتصب لصالح الرجل الذي يحظى بمجموعة معارف ونفوذ اجتماعي داخل الأوساط الثقافية، إلا أنه يمكن إرجاع الفضل في التعاطف الكبير والتأييد والتشجيع الذي حظيت به والدة الطفلة ديالا والانتصار في النهاية إلى واقعتين سابقتين مهدتا الطريق أمام هذا النوع من القضايا وإن لم تحظيا بنفس هذا الدعم والتعاطف، في حالة هدير مكاوي أو هند الحناوي.

تعود قصة هند الحناوي إلى مطلع الألفية، قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي وانتشار استخدامها لهذا الحد. أعلنت هند الحناوي في ٢٠٠٣ عن زواجها العرفي وحملها من الفنان أحمد الفيشاوي، وخاضت معركة طويلة في أروقة المحاكم لإثبات نسب ابنتها بعد إنكار الفيشاوي للزواج. بالرغم من شهرة الفيشاوي وعائلته الفنية، إلا أن هند انتصرت في النهاية وأثبت نسب طفلتها، في سابقة جريئة على المجتمع المصري المحافظ.

أما هدير مكاوي فهي شابة في منتصف العشرينات خرجت على منصات التواصل الاجتماعي طالبة العون والمساعدة والعون بعد إنجابها لطفل، خارج مؤسسة الزواج التقليدية، معلنة رفض والد الطفل الاعتراف به. هدير لم تحظ بنفس التعاطف والتشجيع والتأييد الذي استقبلته والدة ابنة عادل السيوي، على العكس كان نصيبها الأكبر من حملات التشويه والعنف الرقمي، والإعلامي، ومع الضجيج الذي صاحب قضيتها كان الصوت المنادي بحقوق المرأة في العلاقة الجنسية وحق الطفل في اعتراف الأب به بغض النظر عن شكل علاقة الأب والأم خافتا، إلا أن حصيلة هذا المجهود والخطاب النسوي المستمر ألقى بثماره عندما تكررت الواقعة بشخوص مختلفة بوعي اجتماعي آخر مختلف وتراكمي.

العنف المنظم ضد النساء على الإنترنت

العنف الموجه ضد النساء على الإنترنت على مستوى العالم، كان دوما ظاهرة استدعت الانتباه والدراسة، إلا أنه ظل عنف على نطاق الأشخاص تحكمه الدوافع الانتقامية، علاقة غرامية منتهية، أو في بعض الأحيان من الأقارب أو زملاء العمل.

اكتسبت السنوات الأخيرة طابعا مختلفا فيما يتعلق بالعنف الموجه ضد النساء على الإنترنت، لم يعد العنف مقتصرا على دوائر الأقارب أو بغرض الانتقام، حتى في حالة الإبلاغ عن الإساءة في المنشور المتعلق بمبادرة انتفاضة المرأة في الوطن العربي والتي أدت لحذف الصورة التي اعترض عليها بعض المحافظين قبل أن يعيد فيسبوك نشرها، لم يكن مجهودا منظما بقدر ما هو رد فعل على جرأة الطرح وقتها.

أصبح العنف الموجه ضد النساء على الإنترنت أكثر تنظيما في السنوات التي أعقبت ٢٠١٤، أنشئت جماعات من الشباب والرجال مجموعات مغلقة على فيسبوك تشارك المنشورات المثيرة للجدل من وجهة نظرهم لاستهدافها بالإبلاغ عن الاساءة بهدف حظرها، أو إمطار تلك المنشورات بالتعليقات المنتقدة والمسيئة، أو وضع تعبير ”الهاهاها“ فيما يعرف بمجموعات ”الهاها“. تتناول المنشورات المستهدفة عادة بهذه الهجمات المنظمة غالبا دعم مجتمعات الميم ع ومناصرتها أو قضاياها ومشكلاتها، أو تتسم بالجرأة في طرح الموضوعات الجنسية او النسوية.

لعل أشهر الوقائع حول العنف المنظم والتي ظهرت بوادرها في ٢٠١٦ بعد رفع مجموعة من الأفراد لعلم قوس قزح خلال إحدى الحفلات الغنائية، وإن شهدت بعض الاستهداف لكنها لم ترق إلى مستوى التنظيم. دفعت هذه الممارسات العدائية بالشابة سارة حجازي في ٢٠٢٠ إلى إنهاء حياتها بالانتحار في غرفتها في كندا، والتي رحلت لها تفاديا للملاحقات الأمنية وهربا من الوصم المجتمعي الذي لاحقها بعد واقعة رفعها لعلم فخر المثلية في حفل فرقة مشروع ليلى، والذي لم يتوقف بتركها مصر وحرمانها من كل الدعم الذي كانت تحتاجه، إذ لاحقها على وسائل التواصل المختلفة.

كانت سارة حجازي ناشطة يسارية وعضوة فاعلة في مجتمع الميم ع. أثار نشر رسالة انتحار سارة تعاطفا هائلا على منصات التواصل الاجتماعي حتى بين المجموعات المحافظة وغير المؤيدة لمجتمع الميم ع. أدى الزخم الهائل في التعاطف مع سارة حجازى لاستدعاء الواقعة الأصلية بأثر رجعي ومقارنة حجم الضرر والأذى الهائلين الذي تعرضت لهما بالمقارنة ببساطة الفعل ”رفع علم قوس قزح“. أثار هذا الزخم والنقاش حفيظة العديد من المجموعات المتطرفة أو اليمينية على منصات التواصل الاجتماعي، ودفعتهم إلى تنظيم أنفسهم، فأصبحت جميع المنشورات وخاصة التي تلقى تفاعل كثيف مكتظة بتعبيرات ”الهاها“ بالإضافة إلى التعليقات المنقادة والمهاجمة والبذيئة. كما تعرضت الحسابات الشخصية التي غيرت صورها الشخصية لصورة ملونة لعلم قوس قزح أو لصورة سارة حجازي، لحملة كراهية عنيفة في صندوق الرسائل الخاصة. بالإضافة إلى تصميم منشورات تجمع الحسابات الشخصية للمتعاطفين مع سارة ونشرها بهدف التحريض عليهم واستهدافهم.

يمكن تفسير ظاهرة العنف المنظم ضد أي طرح نسوي أو جريء على منصات التواصل الاجتماعي، بأنها رد فعل على حالة الذعر التي أصابت المجموعات اليمينية والمحافظة تجاه قضايا المرأة ومجتمعات الميم ع، وعلانية التعبير عن التضامن مع سارة حجازى وإعادة طرح فكرة القسوة في العقاب مقابل الحريات الشخصية.

كما يمكن تفسير ظاهرة العنف المنظم على منصات التواصل الاجتماعي على ضوء نجاحات النساء ومجتمعات الميم ع في رفع سقف الطرح الاجتماعي وجرأته والتصريح به علانية دون تبريرات نمطية أو محاولات اكتساب التعاطف، بل من منطلق حقوقى بحت مؤمن بالحريات الشخصية والاجتماعية للأفراد.

مثال آخر على ظاهرة العنف المنظم ضد النساء على منصات التواصل الاجتماعي يظهر في واقعة ما عرف إعلاميا بفتيات التيك توك، فهي مثال على التنظيم المستمر لاستهداف محاولات النساء لفرض واقع اجتماعي مختلف باستخدام الإنترنت.

بدأت في إبريل ٢٠١٩ حملة ممنهجة من مجموعة يقودها رجال أشهرهم ناصر حكاية، وهو صاحب قناة شهيرة على موقع يوتيوب وحساب على التيك توك يحمل نفس الاسم. من خلال حلقات مستمرة وحملة منظمة تحت وسم #خليهاـتنضف استهدف فيها ناصر حكاية وأخرين حسابات فتيات على التيك توك واليوتيوب ليبدأوا في انتقادها والتشهير بصاحباتها. كل حلقة لناصر كانت بمثابة صافرة البداية ليبدأ الهجوم والتشهير على صاحبة المحتوى الرقمي، ليبدأ الآخرون عبر منصات التواصل الاجتماعي الأخرى في الكتابة والتدوين وتسجيل حلقات عن هذه الشخصية. وباستخدام نظرية كرة الثلج يبدأ العديد بالوصول إلى المحتوى ومشاركة هذه المجموعة تطوعا بالهجوم على صاحبة الحساب على جميع المنصات. الخطوة الثانية من الاستهداف تبدأ عند تقديم أحد المحامين بلاغا إلى النائب العام لمنع هذا المحتوى والقبض على صاحبته، لتبدأ بعدها حلقات عبر اليوتيوب تناشد النائب العام بالقبض على أصحاب تلك الحسابات تحت دعوى الإساءة لقيم المجتمع وترويج المحتوى البذيء.

بدأت تلك الحملات تؤتي ثمارها في ٢٠٢٠، حينما بدأت حملات القبض على الفتيات صاحبات المحتوى على التيك توك بدعوى انتهاك قيم الأسرة المصرية، وبعد كل حملة قبض على فتاة يبدأ ناصر في استهداف فتاة أخرى على اليوتيوب أو تيك توك، حتى تحولت منصة ناصر حكاية إلى منصة لتسليم الفتيات إلى النائب العام الذي بدا وكأنه يستجيب سريعا لتلك المطالب. ناصر حكاية وحملات الكراهية التي شنها تسببت وحدها في حبس ما يزيد عن عشر نساء وصدور أحكام ضدهن بلغت عشر سنوات في بعض الأحيان، بالإضافة إلى تغريمهن مبالغ باهظة.

العامل الاقتصادي

أغلب النساء والفتيات اللاتي قبض عليهن إثر حملات العنف والكراهية والتحريض، كن من خلفية اقتصادية بسيطة أو متوسطة، وكن مؤثرات على المنصات التي استخدمناها وحظين بشهرة واسعة بين رواد ومستخدمي تلك المواقع، وحققن أرباحا من خلال تلك المنصات.

العائد المادى من تلك المنصات مكنهن من الحصول على مظهر يوحي بالثراء، كما أن معظمهن تحولن إلى عائلا أساسيا داخل أسرهن بسبب التفاعلات التي تتم على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بهن. لذلك لا يمكن التغاضي عن العامل الاقتصادي/ الطبقي وراء استهداف النساء والفتيات سواء من قبل الأفراد أو الدولة، انطلاقا من مبدأ الفزع من حيازة النساء لاستقلالها المادي والشعور بأنهن غير مضطرات للزواج بشكله التقليدي، الأمر الذي دفع بعضهن على التمرد على الإطار التقليدي الذي يحاول المجتمع وضعهن فيه. على ضوء هذا الافتراض يمكن تفسير الحملات التي تمت من مجموعات يتزعمها ذكور بهدف إثناء أي فتاة أخرى عن إتباع نفس طريقهن، كما أن الأمر لا يخلو من عامل المنافسة إذ أن وجود منصات لهؤلاء الفتيات يسحب من رصيد الرجال على الإنترنت وحجم مشاهدة ومتابعة قنواتهم. بل أن العديد من الذكور الذين قادوا حملة التشويه ضد الفتيات، اكتسبوا أساس شهرتهم من تناول محتوى حساباتهن.

كان العامل الاقتصادي/الطبقي مؤثرا وحاسما أيضا في اختيار الدولة للتدخل لمعاقبة الفتيات، وفي انتقائية هذا الاختيار، فالشريحة الاجتماعية للفتيات اللاتي جرت محاكمتهن كانت من خلفيات اقتصادية/اجتماعية متواضعة أو متوسطة، بينما نفس المحتوى استمرت بعض الفتيات ذات الخلفية الأعلى طبقيا والأكثر شهرة ونفوذا اجتماعيا في بثه دون تعرضهن لأي مسائلة.

وهم الوصول والعدالة الاجتماعية على منصات التواصل الاجتماعي

بالقدر الذي تروج له منصات التواصل الاجتماعي لسياسات مكافحة العنف على الإنترنت والتصدي لخطاب الكراهية، وتأسيس مجموعة من المعايير لتنقية المحتوى الرقمي، فشلت هذه المنصات في حماية النساء من العنف، وفي بعض الأحيان سهلت التحرش بهن بتجاهل كل بلاغات الإساءة وحظر حسابات الفتيات ومسح المحتوى الرقمي الخاص بهن نتيجة لمجموعة من الحملات المنظمة لحجب محتواهن وإسكات أصواتهن.

لم تكن منصات التواصل الاجتماعي خلال العشر سنوات الماضية صوت من لا صوت له، وإن عملت في بدايات ٢٠١١ بشكل أقل تمييزا. فبالرغم من السهولة النسبية التي وفرتها هذه المنصات في الوصول إلى الإنترنت وإنشاء حسابات إلكترونية عليه، إلا أن فرصة أن تصبح مسموعا ليست بنفس السهولة. للوصول لذلك يجب على أن يكون حسابك موثقا، أو تحظى بعدد كبير من المتابعين، أو يتابعك مجموعة من المؤثرين المؤيدين لموقفك، بدون ذلك لن يسمعك أحد. سياسات فيسبوك وطريقة عمل الخوارزميات الغامضة أو طبيعة المنشور واستخدام كلمات معينة قد تلقي بالمنشور في قاع المنشورات المتداولة، وقد يرسل فيسبوك تحذيرا قد يتطور إلى حظر الحساب لمدة مؤقتة إذا كتبت مستخدمة منشورا يحمل وصفا للرجال/للرجل يحتمل أكثر من معنى، أحدها قد يكون أو يبدو مهينًا. عادة ما يرسل فيسبوك تحذيرا أوليا وفي حالة تكرار ما تعتبره آليات الذكاء الصناعي مخالفة، يمكن تجميد الحساب لمدة تطول تدريجيا مع تكرار المخالفات أو تؤدي لغلق الحساب تماما.

في نفس الوقت تتقاعس إدارة فيسبوك وتويتر عن إغلاق الحسابات أو حذف المنشورات التي تحض على الكراهية أو تحرض ضد النساء بنفس السرعة إن استجابت على الإطلاق لهذه البلاغات. تتبع المنصتين آلية شديدة التمييز في الاستجابة لمثل تلك البلاغات. على سبيل المثال، تويتر يستجيب بشكل أسرع لبلاغات الإساءة إذا جاءت من حساب موثق، ويستلزم الأمر حملة من البلاغات إذا كان صاحب الحساب المشكو بحقه له عدد كبير من المتابعين.

من الجدير بالذكر هنا التأكيد على الحاجة الماسة للمزيد من الدراسات حول ظاهرة تنظيم العنف الموجه ضد النساء على الإنترنت بشكل أكثر عمقا، والحاجة لاستكشاف الأسباب المنهجية التي أدت إليه، وتأثيره على استخدام النساء للإنترنت أداة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى مردوده على الصحة النفسية لهن والتي قد تدفع بعضهن للانتحار!

ملحقات

الخط الزمني للوسوم (هاشتاج) المذكورة في البحث

٢٠١١

  • ‎#supportsamira
  • #من_الجسد_وإليه
  • #حقها_اختيارها
  • #متحرش_الميكروباص

٢٠١٣

  • #صلحهاXدماغك 

٢٠١٧

  • #أول_محاوله_تحرش_كان_عمري
  • #حق-يوسف
  • #لا-لضرب-النار-في-المناسبات
  • #المتحرش_م_ف
  • #أناـأيضًا – #أنا_كمان – ‎#metoo
  • #خادم_متحرش

٢٠١٨

  • #حق_ديالا عادل السيوي
  • ‎#HerHonorSettingTheBar
  • #المنصة_حقها

٢٠٢٠

  • #كلانواعالعنفضدالمرأة
  • ‎#alltypesofviolenceagainstwomen
  • #حق_منه_عبدالعزيز
  • #بعد_اذن_الاسرة_المصرية
  • #الستات_لبعضيها
  • #متحرش_المعادي
  • #تحرش_القطار
  • #متحرش_المترو
  • #متحرش_المطار
  • #ادعم_فتاة_ميت_غمر – #حق_بسنت_فين
Part of