ماذا يخبرنا العطل العالمي في نظام ويندوز؟
انتشرت عبر العالم أخبار حول أعطال أصابت جمع أنحاء العالم يوم الجمعة وتأثرت بها العديد من المطارات فتعطلت الرحلات الجوية وتوقف بث قنوات تلفزيونية وتأثر عمل المستشفيات والبنوك والعديد من المؤسسات المختلفة حول العالم، وتعود هذه الأعطال إلى خلل تقني في أحد خوادم شركة تسمى "كراود سترايك" تسبب في تعطل نظام تشغيل ويندوز الذي يشغل أكبر عدد من أجهزة الحاسوب في العالم. حسب آخر تقديرات لموقع Statcounter فإن نظام ويندوز يشغل حوالي 72.91% من أجهزة الحاسوب في العالم، وتعتمد عليه العديد من الحكومات والشركات والمؤسسات العامة والخاصة بكافة أنواعها، مما يعني أن الأعطال في هذا النظام سيكون لها تأثيرات واسعة جدا حول العالم. سنناقش في هذا المقال بعض النقاط والدروس التي يلفت انتباهنا إليها هذا العطل من وجهة نظر الكاتب.
لقد وضعنا سلطة هائلة في يد شركة واحدة
لقد بذلت مايكروسوفت جهودا هائلة لجعل نظام تشغيلها (ويندوز) النظام الأساسي في المدارس والمصالح الحكومية والشركات في العديد من البلاد، فصار نظام ويندوز هو كل ما يراه الشخص أمامه في المدرسة وفي العمل وفي كل مكان، فاعتقد العديد منا أن هذا هو الخيار الوحيد المتاح، أو ربما عرف بعضنا بوجود خيارات أخرى لكن ظن أن ويندوز هو الخيار الأفضل بسبب انتشاره على هذا النحو. عندما حدث هذا العطل العالمي وجدنا أن الأنظمة الأخرى مثل ماك أو إس (macOS) وأنظمة لينكس (Linux) لم تتأثر به، فاتضح أننا قد وضعنا سلطة كبيرة في مكان واحد، فقد كان يمكن تجنب بعض الخسائر إذا كان نظام لينكس مثلا يخدم أجهزة احتياطية لبعض المؤسسات التي تأثرت بهذا العطل. وبعيدا عن الأعطال، فإن وضع كل تلك السلطة في يد شركة ربحية واحدة يعني أن بإمكانها في أي لحظة فرض أشياء على العالم بأسره عبر نظامها الموجود في كل مكان تقريبا إذا رغبت بذلك. البديل لهذه الفكرة هي أنظمة لينكس الكثيرة والمتنوعة والتي لا تتحكم بها شركة واحدة، ويمكن للمؤسسات أو الحكومات التحكم بها بما يناسب احتياجاتها دون أن تصبح تحت رحمة شركة ما.
الاعتماد على الخدمات السحابية ليس الحل الأمثل دوما
تسهل الخدمات السحابية إدارة العديد من الأجهزة والعمل معها عن بعد، وقد أصبح الاعتماد عليها في تزايد مستمر، وأدى هذا أيضا إلى زيادة الاعتماد على الاتصال بالإنترنت أكثر من أي وقت مضى، وصارت العديد من الخدمات تتطلب اتصالا بالإنترنت حتى تلك التي كان من الممكن أن تعمل دون إنترنت في السابق، وقد ظهرت لنا بعض مساوئ الاعتماد على الإنترنت والخدمات السحابية بشكل كبير مع هذا العطل، فوجدنا هذا العطل يؤثر مثلا على عمل مستشفيات ومراكز رعاية، وهذا بسبب اعتماد هذه المؤسسات على خدمات سحابية في أجهزة مهمة، بينما كان من الممكن جعل الخدمات الأساسية منعزلة عن الإنترنت. لا يمكننا بالطبع إنكار أهمية الاتصال بالإنترنت وكيف جعل هذا التحول إلى الخدمات السحابية التعامل مع الكثير من الأشياء أسهل، لكنه أدى في الكثير من الأحيان إلى التعامل مع وجود الإنترنت بصفته شيئا مضمونا، ورغم أن قصور هذا التصور لا يظهر سوى في ظروف نادرة مثل ذلك العطل، إلا أنه يزيد الفجوة بين الأشخاص الذين لديهم قدرة على الاتصال بالإنترنت والذين لا يتمتعون بنفس هذه الرفاهية لأسباب اقتصادية أو سياسية أو غيرها.
التحديثات التلقائية الإجبارية ليست دوما أمرا جيدا
نحن من أنصار التحديثات التلقائية وهي أمر ننصح مستخدمينا بتفعيله دوما، لكن لا يجب الإغفال عن بعض مساوئ الطريقة التي تتعامل بها بعض الأنظمة مع هذا الأمر، فنظام ويندوز تحديدا يشتهر بفرضه للتحديثات على نحو مزعج لا يضع فيه الكثير من الخيارات للمستخدم، ويعامل المستخدم كأنه فاقد للأهلية، فهناك العديد من الأسباب التي قد تجعل بعض التحديثات غير ملائمة لبعض المستخدمين، مثل تحديثات تعريفات الأجهزة التي لم يعد المستخدم يستعملها أو التحديثات التي تستهلك سعات إنترنت كبيرة لدى مستخدمين لديهم وصول محدود أو مكلف للإنترنت، أو التحديثات التي من شأنها التأثير سلبا على الموارد المحدودة لبعض الأجهزة. كل تلك الأمثلة توضح أن للمستخدم على الأقل الحق في إيقاف بعض التحديثات، وأن التعامل مع المستخدمين كأنهم غير قادرين على تحديد ما يناسبهم من أسباب الخسائر التي نجمت عن هذا العطل، فإذا لم يكن التحديث الذي أدى إلى هذا العطل تلقائيا، لكان بوسع بعض المهندسين في المؤسسات التي تأثرت به اتباع إجراءات تحديث تضمن إمكانية التراجع عنه بسهولة في حال حدوث أي أخطاء مثل الخطأ الذي حدث بالفعل.
على الحكومات الاستثمار في البرمجيات الحرة
لقد أثبتت العديد من الشركات الخاصة والبرمجيات الاحتكارية أن الاعتماد عليها يعطي الكثير من السلطة لبضعة أشخاص بل وإنه يهدد سيادة الدول التي تضع حكوماتها ثقتها في تلك البرمجيات، أما البرمجيات الحرة التي تضمن الشفافية في طريقة عملها والتي تسمح لأي طرف باستخدامها بالشكل الذي يناسب احتياجاته فإنها تضمن عدم وقوع الناس والشركات والمؤسسات والدول تحت رحمة أنظمة مغلقة. ولذلك يجب على الدول الاستثمار في البرمجيات الحرة ودعمها بدلا من دفع أموال طائلة في البرمجيات الاحتكارية، فالبرمجيات الحرة من شأنها توفير الكثير من المال على المواطنين والشركات وتسهيل الوصول إلى التكنولوجيا لشرائح أكبر من الناس، بينما تكلف البرمجيات الاحتكارية الحكومات مبالغ كبيرة ولا تحقق منافع طويلة الأمد كالتي تحققها البرمجيات الحرة، إنما تقدم تهديدات ومخاطر من الأفضل تجنبها.
(للمزيد: متى ننتقل للبرمجيات مفتوحة المصدر؟)