هل التطبيقات عدوة للنساء؟

 

هل تساوي التطبيقات بين مستخدميها من النساء والرجال؟

هل تختلف تجربة امرأة على تطبيق ما عن تجربة رجل على نفس التطبيق؟

قد نعتقد أن التطبيقات منتجات محايدة مصممة لتعطي الجميع نفس التجربة، ولكن الواقع ليس كذلك.

بشكل عام لا يرى مطورو التطبيقات الفوارق الخاصة بالجندر أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي أو غيرها من المحددات الاجتماعية أو حتى الفسيولوجية مثل أشكال الإعاقة المختلفة، قد نفترض العكس حين نتحدث عن الشركات الكبرى، لكن الفوارق قد تبدو صغيرة فيما يخص مراعاة الفوارق والاحتياجات الخاصة.
 

بشكل عام لا تحصل التطبيقات الموجهة للنساء على الاهتمام والدعم الكافي، فحتى مع كونهن يمثلن نسبة كبيرة من مستخدمات التقنية، لا ينظر لاحتياجاتهن على أنها شيء هام، كما يعمل أغلب مطوري التطبيقات الموجهة للنساء على افتراض الاهتمامات المبنية على صور نمطية، لنقارن مثلا كيف يصورون النساء في لوجوهات تطبيقات اللياقة البدنية، كل النساء طبقا لهذا التصور تحلم بجسد يشبه الساعة الرملية وأرداف لاتينية - لاحظوا الصورة النمطية في المسمى- طبعا.
 

كما لا تعتبر تطبيقات مثل تلك التي توفر مساعدة في حالات العنف ضد النساء  مجالا مفضلا للتمويل والدعم بالنسبة لحاضنات الأعمال، مما يجعلها مجالا بعيدا عن اهتمامات المطورين والمطورات الذين لديهم احتياج للعمل وبناء مسار  وظيفي جيد، لندخل في دائرة مفرغة تؤدي في النهاية للتركيز على التطبيقات المربحة والجذابة دون الالتفات لاحتياجات جماعات بعينها.

رغم تفاوت أرقام الإحصائيات، لا تتجاوز نسبة النساء في مجال البرمجة 30% في أفضل الأحوال، ما يعني أنه مجال يغلب عليه الرجال ويظهر ذلك واضحًا في اتجاهات تطويرهم للمنصات والتطبيقات، دون وضع احتياجات النساء كمستخدمات لتلك التطبيقات بعين الاعتبار، فقد يطبقون سياسات لا توفر الأمان الكافي وحسب، بل قد تكون مؤذية للنساء المستخدمات لمنصاتهم.

بحسب دراسة عام 2020 لمنظمة Plan International تعرضت 58% من الفتيات بين 15 و 25 عامًا للعنف والتحرش الإلكتروني.

تُستهدف الفتيات بشكل أكبر بسبب إفصاحهن عن آرائهن السياسية، أو للون بشرتهن، أو لكونهن كويريات أو ذوات إعاقة.

لا يقف استهدافهن على التقليل من آرائهن، أو تهديدهن بالعنف، أو حتى إرسال صور جنسية لهن فحسب، بل قد يصل أيضًا إلى انتهاك خصوصيتهن ونشر بياناتهن الشخصية أو صور حميمية لهن.

توضح الدراسة أن المنصات التي تتعرض عليها الفتيات لاستهداف أكبر هي منصات ميتا، فقد تعرضت 39% من مستخدمات فيسبوك و 23% من مستخدمات إنستاجرام للتحرش الإلكتروني، ولا يتوقف الاستهداف على تلك المنصتين فقط، بل يمتد إلى تويتر/إكس، ويوتيوب، وحتى لينكد إن.

نتيجة لما يتعرضن له، عزفت نساء كثيرة عن استخدام تلك المنصات. وهذا لا يحرمهن من التواصل مع أصدقائهن وعائلاتهن فقط، إنما يؤثر كذلك على ثقتهن بأنفسهن وشعورهن بالأمان، وفرصهن في العثور على وظائف أو الاستمرار بها، والحصول على المعلومات ومواكبة الأحداث المستجدة، ويحرمهن كذلك من التفاعل مع مجموعة واسعة من الأشخاص وبناء مجتمعات عبر الإنترنت.


 

رغم كل ما تدعيه تلك المنصات من توفير بيئة آمنة للنساء، فإنها لا تتبنى سياسات خصوصية تحترم خصوصية النساء، وبالتالي لا تنجح في منع استهدافهن، ويزداد الأمر سوءًا في المناطق التي تتعرض فيها النساء لتهميش أكبر، مما يشكل خطرًا متزايدًا على سلامتهن النفسية والجسدية ويضع حياتهن في خطر.


 

لا يقتصر الأمر على ذلك، فحتى التطبيقات الموجهة للنساء مثل تطبيقات الدورة الشهرية لها جانبها من المشاكل.

عملية التسجيل على تلك التطبيقات تتطلب من النساء إدخال بيانات شخصية عديدة، وتحصل أيضًا التطبيقات الموجهة للنساء على الكثير من الصلاحيات التي لا تحتاجها، وتخزن بيانات عديدة لا تتضمن فقط البيانات المُدخلة، بل أيضًا بيانات الموقع أو معلومات عن التطبيقات الأخرى المتواجدة على الهاتف.

لا تخزن التطبيقات تلك البيانات على الهاتف، بل تخزنها على خوادمها، غير مشفرة E2E، مما يجعلها عرضة لهجمات الاختراق.

سياسات الخصوصية لتلك التطبيقات توضح أنها لا تكتفي بجمع البيانات فقط، فقد تشارك التطبيقات تلك البيانات مع جهات أخرى مثل المُعلنين، مثل جوجل وفيسبوك/ميتا، أو غيرهم.

وقد تشارك تلك التطبيقات البيانات مع شركات أخرى، مثل سماسرة البيانات، الذين يقومون بشراء البيانات من عدة مصادر، ثم تجميعها، ودمجها لتشكيل ملف عن المستخدم ثم بيعه للغير.

رغم أن هذه البيانات الحساسة بيانات طبية يجب ألا تتم مشاركتها مع جهات أخرى، إلا أن القانون لا يراها كذلك حتى الآن.

ذلك الانتهاك الفج للخصوصية لا يترتب عليه فقط ظهور إعلانات لمستخدمات التطبيقات مثل منتجات الدورة الشهرية أو مستلزمات الحمل أو الرضاعة للحوامل منهن، إنما قد تساعد تلك البيانات الحكومات التي تستهدف اللواتي يبحثن عن سبل للإجهاض، مما يعرض سلامتهن وحياتهن للخطر.


 

أما عن تطبيقات المواعدة المتاحة في الوطن العربي، فعلى الرغم من سعيها للانتشار والتربّح من المستخدمين العرب، إلا أنها لا تراعي أغلب المتطلبات الخاصة لنساء المنطقة العربية، فحتى مع تعاون البعض القليل منها مع مؤسسات ومنظمات لدعم الضحايا، مثل تعاون بامبل مع StopNCII، إلا أن أغلبها لا يوفر أكثر من وسائل بدائية للإبلاغ عن من يسيء استخدام تلك المنصات، فلا تعبأ التطبيقات بتوفير مزيدًا من الدعم إلا لقاطنات الولايات المتحدة أو أوروبا.

لا توفر التطبيقات روابط لجهات الدعم المتواجدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى الأغلب لا تعرف المنصات السياقات اللغوية أو الاجتماعية في البلدان غير الناطقة بالانجليزية، تاركين الضحايا للبحث بأنفسهم عن سبل الإبلاغ عما تعرضن له.


 

أما عن دور الحكومات، فإنها لا تصدر تشريعات كافية من شأنها ضمان أمان النساء والحفاظ على خصوصية بياناتهن، ولا توفر مسارات واضحة لتقديم الدعم لضحايا التحرش الإلكتروني أو غيره، ولا تدعم التطبيقات التي تسعى إلى ذلك.


 

خصوصية النساء وسلامتهن ليست أمرًا ثانويًا يمكن تجاهله عند تصميم التطبيقات وفي سياسيات خصوصيتها.

النساء لهن الحق في استخدام منصات التواصل دون التعرض للعنف أو التحرش، ولهن الحق في ضمان خصوصية بياناتهن الشخصية وضمان حمايتها وعدم مشاركتها مع الغير.

يجب الضغط على كل من الحكومات والشركات لدعم التنوع، والمساواة، والشمول، وتوفير حماية أفضل للنساء، والسعي إلى زيادة مشاركتهن في المجالات التقنية، وجعل بيئة العمل متوازنة، تتوفر فيها الفرص للجميع، وتشعر فيها النساء بالأمان، والتقدير، والدعم. إلى جانب الاهتمام بتجربة المستخدمات واحتياجاتهن عند تشكيل مسار تطوير التطبيقات، وخصوصًا نساء المجتمعات الأكثر عنفًا ضد المرأة، إلى جانب تطبيق سياسات خصوصية من شأنها حماية خصوصياتهن وسلامتهن.