كيف تعلمت ألّا أقلق وأحب تجربة المستخدم
يأتي عنوان هذا المقال كمعارضة لعنوان فيلم ستانلي كوبريك الشهير، دكتور سترينجلوف أو كيف تعلمت ألا أقلق وأن أحب القنبلة
بالفيلم الذي تم إنتاجه عام 1964 ندخل إلى عالم القنبلة النووية في الستينات في ظلال الحرب الباردة بين قطبي العالم آنذاك، ولكن هذا الفيلم ليس عن "القنبلة" فقط بل عن العالِم المجنون الذي يريد ضرب عدو الولايات المتحدة الأول بالقنبلة النووية قبل أن يكون الاتحاد السوفييتي قادرا على رد الضربة للولايات المتحدة.
الفيلم يتحدث عن الجنون العلمي الذي لا يعترف بالأخلاق ولا بأي معنى لها لكبح جماح التقدم الهائل، وبالفعل هذا هو الحال ليس فقط فيما يتعلق بالقنبلة ولا بالصراع بين القوتين العظمتين في العالم ولكن كذلك في صراع الشركات حول بيانات العالم، وربما يمكننا القول أن تجربة المستخدم اليوم لا تختلف عن القنبلة!
تجربة المستخدم هي الطريقة الذي تستخدِم التصميم لتحقيق أكبر قدر من التواصل مع المستخدم على أي خدمة أو منتج، وتَعتبِر الشركات أن تجربة المستخدم في بعض الأحيان هي وسيلة التواصل الوحيدة مع مستخدميها عبر منصاتها وهذا ما يجعلها مهمة حقًا، فهي واجهة المنتج الأساسية وأساس تعامل العميل مع كل ما يتعلق بالمنتج الذي تم تصميم تجربة المستخدم من أجله.
ولكن كما احتاج إنتاج القنبلة إلى أخلاقيات حتى لا نصل إلى مصير العالم الذي صوره فيلم دكتور سترينجلوف نحتاج إلى أخلاقيات للتصميم، وهذا ليس فقط في تصميم تجربة المستخدم في المنتجات التقنية وإنما كذلك في تصميم كافة ما يتعامل معه البشر، بداية من التصميم المعماري وحتى تصميم السيارات وغيرها، حيث أن كل أنواع التصميم اليوم من الممكن أن تجمع البيانات عن البشر أو تحد من حريتهم أو بشكل أبسط تجعل حياتهم أسوأ.
ولهذا ظهر مؤخرًا مبدأ التصميم الأخلاقي لتجربة المستخدم وهو أن يقوم المصمم بالبدء بالتفكير بأخلاقية تجاه مستخدمي المنتج وليس فقط التفكير تحقيق أكبر فائدة لأصحاب المنتج التقني، ولكن ما هو الخط الفاصل لأخلاقيات التعامل مع المنتجات التقنية؟ وما هو السبيل للحصول على أكبر قدر من الرفاهية عند استخدام المنتجات التقنية والرقمية بدون مساومة حرية المستخدم في الاختيار والخصوصية والحفاظ على المجهولية وسرية البيانات وحماية المستخدم من الأخطار السيبرانية وغيرها.
جمع البيانات
تعتمد تجربة المستخدم الحديثة على جمع أكبر قدر من البيانات عن المستخدم لتحقيق مبدأ "التخصيص" أو إضفاء الطابع الشخصي على تجربة المستخدم، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى الألوان الافتراضية للمنتج أو الخلفيات وما إلى ذلك ولكن لتحقيق هذا القدر من "التخصيص" يجب جمع معلومات عن المستخدم ابتداءًا لتحقيق ذلك وما يعني هنا هو مساومة خصوصية المستخدم في سبيل تحقيق أكبر قدر من الطابع الشخصي على استخدام المنتج التقني.
ولكن هل جمع المعلومات هنا ضروري؟
رغم أن هذا يسبب حجم أكبر من العمل لكن من الممكن ترك الاختيار للمستخدم لتغيير الاعدادات الافتراضية الأساسية التي يدفعها المصمم للمستخدم النهائي، مثل اختيار الألوان والخلفيات وحتى الأيقونات والثيمات الأساسية للمنتج النهائي، وهذا من النماذج الشائعة في البرامج الحرة ومفتوحة المصدر التي تترك الحرية للمستخدم في اختيار تلك الإعدادات أو اختيار الإعدادات الافتراضية الأساسية مسبقًا وجمع تلك المعلومات منها على الجهاز المستخدم فقط بدون حفظ أي معلومات على الخوادم السحابية لاستخدامها مرة أخرى.
ولكن ما يهم منتجي التقنيات أكثر هو جمع المعلومات والبيانات للاستفادة منها عن طريق الإعلانات الموجهة والمخصصة لكل شخص على حِدة وهو ما يتطلب معرفة كبيرة بمستخدمي المنتج الرقمي لجمع المعلومات ومن ثمة الاستفادة منها لاحقًا، ويجب على مصممي تلك التقنيات مراعاة أن يتم تقليل كمية البيانات تلك التي تم جمعها من المستخدمين إلى أقصى درجة وهو ما أطلق عليه مبدأ "الحد الأدنى من البيانات" Data minimization في أوساط مصممي التقنية وهو ما يعني جمع أقل قدر ممكن من البيانات الضرورية عن المستخدم ومما يتوافق أيضًا مع القوانين المستحدثة في معظم دول العالم لجمع البيانات عن المستخدمين.
تقليل البيانات المُجمَّعة ليس هو الحل الوحيد، فبدون إعطاء المستخدم حرية اختيار نوع البيانات التي يتم جمعها بدون اشتراك مُسبق opt-in من قبل المستخدم، أي أن المستخدم عليه الموافقة على كافة أو معظم البيانات التي يتم جمعها قبل استخدام هذا المنتج وليس فقط عن طريق تغيير الإعدادات الإفتراضية للخدمة أو التطبيق الرقمي لاحقًا.
الإعدادات الإفتراضية
تعد الإعدادات الافتراضية لمعظم تطبيقات التواصل الإجتماعي مثالًا على التصميم اللا-أخلاقي في هذا السياق فهي تفترض تغيير المستخدم لمعظم الإعدادات التي لا يحتاجها والتي تجمع كمًا هائلًا من البيانات عن مستخدمي تلك المنصات بدون موافقة مسبقة، ويجب على المستخدم تغيير تلك الإعدادات لاحقًا إن كان يريد تقليل كم البيانات التي يتم جمعها عنه وبالطبع لا يمكنه إلغاء كافة البيانات المُجمعة بل التي اضطرت تلك المنصات إلى وضعها فقط وإعطاء الحرية للمستخدمين لجمعها بسبب القيود القانونية المفروضة أو الضغط من المستخدمين أنفسهم في أحيان كثيرة.
كما أن تلك الإعدادات يتم تغيير أماكن وجودها بشكل دوري على المنصات المذكورة وإضفاء طابع من الغموض حولها، مما يعني تجربة مستخدم سيئة في هذا الجانب، هذا الأمر مقصود تمامًا حتى لا يقوم المستخدمون بتقليل كمية البيانات التي تلتهمها تلك المنتجات.
الأمان الرقمي
من أهم ما يميز تجربة المستخدم الجيدة أنها تستطيع أن تعطي المستخدم قدرًا عاليًا من الأمان، بالظبط كالمصمم المعماري الذي يراعي عدم وجود أماكن محتملة لسرقة المنزل قبل تصميمه وهذا لا يمنع وجود الباب المغلق جيدًا بالنهاية، عند وجود واجهة مستخدم غير متوقعة أو غير نمطية قد يدفع المستخدم إلى إفشاء معلومات خاصة أو تهديد الأمن الرقمي للمستخدمين، ومنها الاختيارات التي تتعلق بالأمان عند التسجيل في معظم المواقع والمنصات أو صعوبة تسجيل كلمات سر صعبة بسبب عدم توفر المعلومات حول نوع كلمة السر قبل التسجيل على الموقع.
قد تصل مشاكل الأمان الرقمي على بعض المنتجات الرقمية إلى وجود سهولة في تصيد المستخدمين على تلك المنصات، إما عن طريق عدم وضوح الحسابات الرسمية أو عدم فصل الرسائل المزعجة على سبيل المثال أو الوصول إلى محتوى غير مرغوب فيه بدون إذن المستخدم المسبق وهي من كل الأسباب التي قد تؤدي إلى الوقوع في مصائد التصيد على الإنترنت.
في النهاية تجربة المستخدم كما أي تجربة تصميمية تحتاج إلى التوازن عند اختيار التصميم الأولي وتحقيق تلك التوازنات بين اختيارات متعددة قد تكون متعارضة، ولكن من المهم أن يكون المستخدم وسلامته الرقمية هما الأولوية قبل أي شيء لتصميم تجربة تليق به ولإنتاج حلول رقمية أفضل بالمستقبل.