هل سيحل هذا النظام محل ويندوز في المستقبل؟

 

لا شك أن نظام ويندوز هو أكثر أنظمة تشغيل الحواسيب انتشارا في العالم، فهو يحتل المركز الأول بين أنظمة تشغيل الحواسيب الشخصية حول العالم، بنسبة تجاوزت 72% بنهاية شهر يوليو هذا العام حسب موقع Statcounter ولم تقل عن 60% خلال السنوات العشرة الأخيرة، وبالنسبة للكثير من مستخدمي الحاسب الشخصي فإنهم لا يعرفون بوجود أي أنظمة تشغيل أخرى سوى نظام ويندوز، وتعرض الكثير من المناهج الدراسية الموجهة لطلبة المراحل الدراسية الأساسية نظام ويندوز أو أمثلة على كيفية استخدامه دون عرض أي أنظمة أخرى، ويتعامل الكثيرون عند شرح برامج أو أدوات أو حتى نصائح تقنية مع نظام ويندوز فقط. لكن مع كل هذه السيطرة فإن النسبة الحالية (حوالي 72%) أقل بكثير عن نسبة استخدام ويندوز قبل 10 سنوات (حوالي 90%)، ,ورغم أن أكبر المستفيدين من تراجع هذه النسبة هو نظام macOS الذي يعمل على حواسيب شركة أبل، لكن هناك نظاما آخر في طريقة للصعود.

 

ما نتحدث عنه هنا هو نظام لينكس (Linux)، وهو في الواقع ليس نظاما واحدا وإنما مجموعة من الأنظمة تشترك في نواتها، ويتميز هذا النظام بكونه حرا ومفتوح المصدر، ولهذا فاليوم توجد عشرات الأنظمة المبنية على لينكس، وعلى عكس نظام ويندوز فإن تلك الأنظمة عادة ما تكون مجانية تماما، وهي تختلف عن نظام ويندوز في الكثير من الأشياء وقد تزايدت معدلات استخدامه بشكل كبير في الفترة الماضية، مما ينذر باحتمال أن يصبح لينكس لاعبا أساسيا بين أنظمة تشغيل الحواسيب الشخصية، وحسب Statcounter فإن نسبة استخدام لينكس بين الحواسيب بلغت 4.45% بنهاية شهر يوليو، وهي تفوق نسبة استخدام نظام macOS لمعظم عام 2009 الذي تبلغ نسبة استخدامه الآن 14.92%، وهذا يعني تصاعد نسبة استخدام لينكس بشكل مستقر تقريبا.
 



 

في الواقع يمكننا اعتبار نواة لينكس هي الأكثر استخداما في العالم، حيث أن استخدامها لا يقتصر على أنظمة لينكس على الحواسيب، بل إن النظام الأكثر استخداما في العالم، نظام أندرويد، يعمل على نواة لينكس، وكذلك نظام ChromeOS والعديد من أنظمة تشغيل الأجهزة الذكية مثل التلفاز والأجهزة الأخرى بالاضافة لكونه اللاعب الأكبر في مجال الخوادم "السيرفرات" والخدمات المعتمدة عليها، لكننا هنا نركز على أنظمة لينكس في مجال الاستخدام الشخصي الفردي، وهي في تطور كبير مؤخرا جعل من استخدام الكثير منها تجربة تفوق في جودتها تجربة استخدام ويندوز و macOS للكثير من المستخدمين، ورغم أننا لا يمكننا الجزم بأسباب محددة لهذا الارتفاع في معدل استخدام أنظمة لينكس، لكن قد يكون تطورها المستمر واحدا من أهم تلك الأسباب، بالإضافة إلى كون معظم تلك الأنظمة تقدم بديلا جيدا وآمنا وأخلاقيا عن أنظمة التشغيل التي تديرها شركات التكنولوجيا العملاقة ذات السجلات الحافلة بالانتهاكات.

 

لا زال أمام أنظمة لينكس الكثير من العقبات في طريقها حتى تصبح بديلا فعالا لعدد أكبر من المستخدمين، فهي ورغم تصاعد أعداد مستخدميها، لا يمكن أن تكون بديلا مناسبا لدى الجميع. ومن أهم تلك العقبات عدم وجود شكل محدد وتجربة موحدة لأنظمة تشغيل لينكس، فأنظمة لينكس التي يصنفها موقع DistroWatch حاليا يبلغ عددها 270 نظاما، وتعرف تلك الأنظمة التي تشترك في النواة بتوزيعات لينكس، وتتنوع هذه التوزيعات فيما بينها تنوعا كبيرا في الشكل والأداء والبرمجيات المستخدمة، لهذا لا يوجد تجربة محددة لاستخدام لينكس، لأنه لا وجود لنظام لينكس موحد، والكثير من الناس يحتاجون هذا الشكل من الاستقرار، ويتوقعون أن تعمل الإرشادات بشكل متناغم عبر النظام، وهذا الأمر لا يمكن ضمانه على مستوى عام فيما يخص أنظمة لينكس، كونها أنظمة متعددة وليست نظاما واحدا، ورغم أن العديد من المستخدمين يحبون هذا في لينكس تحديدا لأنهم يفضلون التنوع والقدرة على اختيار ما يلائمهم، إلا أن ذلك التنوع يضعف من إمكانية السيطرة على تجربة استخدام أنظمة لينكس وتحسينها جميعا بالتوازي.

قد يعالج ذلك شيوع توزيعات محددة من بحر لينكس الواسع، ووجود فيديوهات تعليمية لها على منصات الفيديو المختلفة، مثل أوبنتو وفيدورا ومانجارو، لا نستطيع الجزم.

 

ومن أشهر العقبات أمام لينكس هي توفر البرامج والتطبيقات الشائعة الاستخدام، فالعديد من البرامج الشهيرة لا تعمل على لينكس، مثل برامج أدوبي وحزمة مايكروسوفت المكتبية، ورغم وجود بدائل لهذه البرامج على لينكس، لكنها في العادة لا تقدم نفس الأداء أو نفس التجربة، ويرجع هذا من ناحية إلى قلة اهتمام مطوري بعض البرامج بنظام لينكس، ومن ناحية أخرى إلى أداء لينكس غير الموحد والمتفاوت مع تنصيب البرامج، فتنصيب البرامج على أنظمة لينكس يمكن أن يتم بطرق متنوعة جدا، ولا يعمل بشكل موحد على كل الأنظمة، ولهذا يجد مطورو البرامج صعوبة في توفير برامجهم على جميع توزيعات لينكس، والتي حتى إذا نجح المطور في إصدارها، قد تتأخر تحديثاتها في الوصول إلى المستخدمين بسبب طريقة كل توزيعة في إصدار التحديثات، وقد ظهرت طرق أحدث لتحميل وتحديث البرامج على لينكس لا تعتمد على الاختلافات الفردية بين التوزيعات، مثل فلاتباك، وصيغ تعمل بسهولة على معظم التوزيعات بشكل محمول كذلك (البرامج المحمولة هي البرامج التي تعمل دون الحاجة إلى تنصيب) مثل صيغة .appimage، وربما يساعد فلاتباك و Appimage في التحسين من تجربة تحميل وتشغيل التطبيقات على لينكس عندما يتبنى المطورون تلك الصيغ بصورة أوسع، وقد يساعد ذلك في زيادة عدد البرامج والتطبيقات التي تعمل على أنظمة لينكس.

 

ختاما، يقدم لينكس مزايا حقيقية وتنافسية مقارنة بالأنظمة الأخرى، لكنه لا يزال قاصرا في العديد من النواحي، ورغم أنه ملائم جدا ومتفوق تماما في العديد من النواحي مثل إدارة الخوادم لكن هناك أوجه قصور لا يمكن التغافل عنها تجعل من الصعب عليه أن ينافس ويندوز في المستقبل القريب على المستخدمين العاديين. لا يمكن إنكار التطورات الجيدة التي يمر بها لينكس والأنظمة المبنية عليه والواجهات التي تعمل عليها، وحتى تقود تلك التطورات إلى تغييرات جذرية تعطي أنظمة لينكس أفضلية واضحة، فإن لينكس قد يهدد نظام macOS مثلا، لكنه لن يستبدل نظام ويندوز خلال العقد القادم.