ما هو الفِدِيفِرس الذي تريد شركة ميتا اقتحامه؟
أطلقت شركة ميتا مؤخرا تطبيق ثريدز (Threads) بديلًا لتطبيق تويتر الذي يواجه الكثير من المشاكل في الفترة الأخيرة بسبب تصرفات الإدارة الجديدة للتطبيق بعد استحواذ إيلون ماسك عليه، وهو ما يجعل توقيت إطلاق التطبيق ملائمًا للاستفادة من الغضب الحالي للعديد من مستخدمي تويتر.
كان أمام المهاجرين من تويتر عدة بدائل، ومن أهمها ماستودون الموجود منذ أكثر من سبع سنوات والذي لم يشهد ارتفاعا كبيرا في عدد مستخدميه سوى بعد ما حدث مع تويتر. ورغم أن تطبيق ثريدز الجديد من شركة ميتا هو حاليًا جزء من تطبيق إنستجرام الشهير ويحاول أن يكون منصة مستقلة، إلا أنه صرح باعتزامه استخدام نفس البروتوكولات التي يعتمد عليها ماستودون، وهي ما سنشرحه هنا.
ماستودون هي شبكة من منصات التواصل الاجتماعي البديلة لتويتر، وهي جزء من ما يسمى الفِدِيفِرس. ومصطلح فِدِيفِرس (fediverse) يتكون في الأصل من دمج كلمتي federation وuniverse في إشارة إلى كونه فضاءً يضم مجموعة كبيرة من المنصات المستقلة والمتصلة ببعضها البعض في ذات الوقت، ويعتمد أساسًا على بروتوكول يسمى ActivityPub الذي يسمح بإنشاء منصات اجتماعية تتميز بعدة أشياء. فهذه المنصات مستقلة لكنها متصلة ببعضها البعض في ذات الوقت، وهي لا مركزية تحارب الاحتكار، ولا يمكن التحكم بها أو إغلاقها بسهولة، وهي مبنية على برمجيات مفتوحة المصدر غالبا. لكن ماذا نعني باللامركزية؟ وما المفيد في كونها مفتوحة المصدر؟ وما هي البروتوكولات أصلا؟
اللامركزية
لفهم فكرة اللامركزية يمكننا التفكير في خدمة مثل البريد الإلكتروني. فهناك العديد من الشركات التي تقدم خدمة البريد الإلكتروني ولكن لا توجد شركة واحدة تتحكم به، ورغم تنوع مقدمي خدمة البريد الإلكتروني مثل Gmail و Yahoo Mail و Outlook وغيرهم، يمكن لشخص يستخدم Gmail إرسال رسائل البريد الإلكتروني واستقبالها من شخص يستخدم Yahoo مثلا. وهذه هي تماما الفكرة من اللامركزية؛ أن لا تكون الخدمة خاضعة لجهة واحدة تتحكم بها كل التحكم، بل أن يمكن لمن لديه المعرفة التقنية إطلاق خدمته الخاصة، ويستطيع المستخدمون التواصل حتى مع اختلاف مقدم خدمة كل منهم، وهذا ما يوفره الفِدِيفِرس.
فيمكن إنشاء منصة تواصل اجتماعي مستقلة بذاتها (مثلما يمكن لشركة مثل جوجل إنشاء Gmail لتقديم خدمة البريد الإلكتروني) لها قواعدها الخاصة وشكلها الخاص إذا أرادت، لكن تلك المنصات تسمح لأعضائها بالتواصل مع أعضاء المنصات الأخرى التي تستخدم نفس البروتوكول (مثلما يتبادل مستخدم Gmail مع مستخدم Yahoo رسائل البريد الإلكتروني).
المصدر المفتوح
الكود المصدري هي الأوامر التي تخبر أي برمجية بما عليها أن تفعل (الوصفة السرية لعمل أي تطبيق)، وفي حالة فيسبوك مثلا لا يمكن للمستخدمين العاديين معرفة الأكواد التي تشغل فيسبوك لأن ذلك يعني إمكانية معرفة طريقة وآليات عمل فيسبوك وخوارزمياته تحديدا وهذه أشياء لا تنشرها الشركة علنًا. وهو ما يعني أن فيسبوك يفعل الكثير في الخفاء دون أن يعرف أحد ماذا يحدث بالضبط داخل فيسبوك.
ماستودون، من جهة أخرى، يعتمد الشفافية الكاملة في طريقة عمله، فالكود الذي يشغل ماستودون متاح علنًا ويمكن لأي شخص مراجعته ومعرفة آلية عمله، وهو ما يضمن عدم وجود خوارزميات تعمل في الخفاء وتجمع بيانات لا يعرفها المستخدمون.
محاربة الاحتكار
إذا أراد شخص التواصل مع أحد مستخدمي فيسبوك مثلا، سيكون مضطرا للتواصل معه باستخدام فيسبوك أيضا ولا يمكنه التواصل معه باستخدام تطبيق أو مقدم خدمة آخر، وهذا ما يجعله مجتمعا مغلقا تتحكم به شركة واحدة تتخذ كل القرارات المتعلقة بمنصتها.
بينما توجد آلاف المنصات التي تعمل على ماستودون وكل منها يتحكم به مديرو تلك المنصة، وللمستخدم كامل الحرية في الانضمام للمنصة التي يفضلها، وبذلك يتمكن من التواصل مع جميع المنصات الأخرى التي تستخدم نفس البروتوكول. وهذه الطبيعة المفتوحة تجعل إغلاق ماستودون بالكامل شديد الصعوبة، لأنه ليس منصة واحدة في يد شركة واحدة، إنما آلاف المنصات المستقلة التي تعمل منفصلة عن بعضها البعض، والتحكم في ماستودون يتطلب التحكم في جميع تلك المنصات في ذات الوقت (وهذا أمر مستبعد).
وتلك الطبيعة المفتوحة تسمح أيضا بإنشاء تطبيقات مستقلة يمكن استخدام حسابات ماستودون عليها، فلا يتقيد المستخدم حتى بالتطبيق الرسمي أو الموقع الرسمي، وهناك حاليا العديد من التطبيقات التي تسمح باستخدام حسابات ماستودون من خلالها، وتوفر خصائص وواجهات مختلفة يمكن للمستخدم اختيار ما يحب منها.
ما هي بروتوكولات الفِدِيفِرس؟
البروتوكولات هنا هي اللغة المشتركة التي يتفق الأطراف على استخدامها ليتمكنوا من التواصل بنجاح، وفي حالتنا هنا، هي الوسيلة التي تسمح لمنصات مختلفة بالتواصل والتفاعل فيما بينها.
البروتوكول الأساسي الذي يعتمد عليه الفِدِيفِرس هو بروتوكول ActivityPub الذي توصي به رابطة الشبكة العالمية (W3C)، وبُنِيت على هذا البروتوكول بروتوكولات أخرى تسمح بإنشاء العديد من أشكال الشبكات الاجتماعية تتشارك جميعها في كونها لا مركزية وتسمح بالتواصل مع المنصات الأخرى التي تستخدم نفس البروتوكول. أشهرها ماستودون (Mastodon) الذي يسمح بإنشاء منصات للتدوين المصغر شبيهة بتويتر، وكذلك ليمي (Lemmy) الذي يسمح بإنشاء منصات شبيهة بمنصة ريديت، و PeerTube لمشاركة مقاطع الفيديو مثل يوتيوب. وهناك الكثير من البروتوكولات الأخرى التي تسمح بوجود صور متنوعة من منصات التواصل الاجتماعي يمكنها كلها التواصل مع بعضها البعض.
ماذا تفعل شركة ميتا بتطبيقها الجديد؟
شركة ميتا هي واحدة من أكبر شركات التقنية في العالم وهي شركة ربحية بالأساس، وهي لا تسعى بالتأكيد من خلال تطبيق ثريدز لمحاربة الاحتكار، فهي، مثلا، لم تنشر علنا الكود المصدري لتطبيقها الجديد. لكنها تود اقتحام مجال منصات التدوين المصغر الذي كانت منصة تويتر تتربع على عرشه لفترة طويلة. فمن خلال تطبيق ثريدز يمكن للمستخدمين كتابة منشورات بحد أقصى ٥٠٠ حرف ويمكن من خلالها نشر الروابط والصور ومقاطع الفيديو بحد أقصى ٥ دقائق. ولتسهيل الانضمام للتطبيق الجديد يمكن للمستخدمين الدخول إليه عبر حساباتهم على إنستجرام مباشرة. ويبدو أن شركة ميتا تسعى للتواجد على جميع أنواع وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما يظهر من إعلانهم خططهم لجعل ثريدز متوافقا مع بروتوكول ActivityPub، وليست ميتا وحدها من يخطط لدعم ذلك البروتوكول، فقد أعلن تطبيق تمبلر أيضا عن خططه لدعم ذات البروتوكول.
هل نثق بالتطبيق الجديد؟
هذا يتوقف على ثقتنا بشركة ميتا، لكن هناك بعض العوامل التي يمكننا وضعها في الاعتبار.
-
التطبيق في وضعه الحالي لا يختلف كثيرا عن تطبيق إنستجرام نفسه، فهو حتى الآن ليس متصلا ببروتوكول ActivityPub ولا يمكن استخدامه من خلال تطبيقات أخرى غير التطبيق الرسمي.
-
حتى عندما يصبح التطبيق متصلا ببروتوكول ActivityPub، فستظل بيانات حسابات مستخدميه موجودة على خوادم شركة ميتا، مما يعني قدرتها على الوصول إلى تلك البيانات.
-
عندما يصبح التطبيق متصلا ببروتوكول ActivityPub، فمن الأفضل للمستخدم أن يستخدمه عبر تطبيق خارجي مفتوح المصدر، إذا كان مضطرا لاستخدام ثريدز أصلا.
-
إذا ما لم يكن المستخدم بحاجة إلى استخدام ثريدز تحديدا، فيمكنه الانضمام إلى أي منصة من منصات ماستودون وسيتمكن من التواصل مع حسابات ثريدز العامة دون الحاجة لاستخدام برمجيات شركة ميتا.