ماذا تفضح عيناك؟

مع تطور الأبحاث وتزايد التطبيقات المرتكزة على تقنيات تحليل حركة العين في الآونة الأخيرة، تتنامى المخاوف حول استخدام هذه التقنيات في التطبيقات التجارية، وعلى نطاق واسع، نظرا للكم الهائل من المعلومات الذي يمكن لهذه التقنية توفيره عن المستخدمين، فعينا الإنسان تكشفان الكثير والكثير من أسراره!

بدأ اهتمام العلم بتحليل خصائص عين الإنسان الفيزيائية والسلوكية منذ عهد بعيد، لكنها كانت دائما دراسات محدودة لما تتطلبه من معدات واستعدادات مكلفة، أما في الوقت الراهن مع التطور الكبير في الكاميرات وأدوات التحليل الضوئي، ومع ظهور واستقرار البرمجيات الخاصة بتحليل البيانات الضخمة أصبح الأمر أسهل وأقل تكلفة من أي وقت سابق.

تكنولوجيا تتبع حركة العين (Eye gaze tracking) هي تكنولوجيا معنية بتحليل خصائص العين البشرية، من حيث البنية التشريحية، حركة الحدقة ومدى اتساعها، لون القزحية وحالة الصلبة (بياض العين)، حيث يمكن باستخدام تسجيلات الفيديو الخاصة بأي شخص يمارس أي نشاط أمام الكاميرا – لا يجب بالضرورة أن يكون محدقا بها - الكشف عن الكثير من الصفات الفريدة له، وأهمها:

 

  • الهوية: نظرا للاختلافات في البنية الحركية للعين وأداء المخ، فإن بعض خصائص النظر تكون فريدة لكل شخص، وبالتالي يمكن استخدام هذه الخصائص لتمييز الأشخاص عن بعضهم البعض، تماما كبصمة الأصابع!
  • الجنس والسن.
  • الانتماء الثقافي والعرق.
  • مستوى الإجهاد الذهني ودرجة التركيز ومستوى الإدراك أو الخبرة أثناء ممارسة الأنشطة المعرفية المختلفة (كحل اختبار رياضي، لعب الشطرنج، لعب ألعاب إلكترونية).
  • السمات الشخصية كدرجات السعادة والغضب، الشعور بالملل، التردد، الانجذاب الجنسي. تم أيضًا استخدام تتبع العين لتتبع أنماط ارتباط الأشخاص في العلاقات الشخصية (على سبيل المثال، الأمان، والانطواء، والخوف، والتورط).
  • التفضيلات الشخصية، حيث يمكن من تتبع اتساع حدقة العين وحركتها أثناء تصفح موقع تجاري مثلا تحديد الألوان والملابس وأنواع الأثاث المفضلة... إلخ.
  • مستوى الإجهاد البدني ومعدلات النوم.
  • مستويات التسمم الناتجة عن استخدام المواد الكحولية أو المخدرة.
  • الصحة الجسدية والنفسية، حيث يمكن من خلال نشاط العين ومعدلات الرمش وحركة الحدقة تمييز بعض الأنماط غير الاعتيادية التي قد تنبئ عن معاناة الشخص من أمراض عصبية أو نفسية معينة.

 

من الجدير بالذكر أن الكثير من هذه الدراسات ما زالت تواجه بعض التحديات للوصول إلى درجات عالية من الدقة حول المشاعر الإنسانية المعقدة، حيث إن اتساع حدقة العين المفاجئ مثلا لحظة رؤية شخص آخر قد يدل على الانجذاب العاطفي، أو الكراهية الشديدة!

لكن أيضا يجدر بالذكر أنه قد تم تطوير الكثير من التطبيقات التجارية بالفعل في هذا المجال، سواء في مجال الألعاب الإلكترونية وبخاصة ألعاب الواقع الافتراضي، أو المجالات التجارية حيث يمكن تحليل أنماط تصفح المستخدمين للمواقع الإلكترونية المختلفة ومدى تفاعلهم أو اهتمامهم بالدعاية على هذه المواقع، تخيل لو أن وكالة إعلانات تستطيع بالفعل تمييز المواقع والأماكن الخاصة في كل موقع التي يمكنها اختيارها لوضع إعلاناتها بناء على تحليل بيانات المستخدمين لهذه المواقع بمجرد النظر، دون الحاجة إلى انتظار تفاعل المستخدم مع الإعلان!

حتى هذه اللحظة، هناك الكثير من المبادرات بين الأطراف المعنية بهذه التقنية في المجالات التجارية للحفاظ على سرية المستخدمين، وللاستخدام الآمن لبياناتهم، حيث يجب أخذ موافقة المستخدمين وتقديم المكافآت لهم نظير موافقتهم على استخدام البرمجيات الخاصة بتتبع حركة العين من خلال كاميرات حواسيبهم أو هواتفهم الشخصية، مع التزام الشركات بتجهيل هذه البيانات، أي تعمية أية روابط بين الأشخاص الحقيقيين وبين البيانات الإحصائية التي تقوم الشركات بجمعها عن جميع المستخدمين. لكن خبراتنا مع تاريخ انتهاك بياناتنا الشخصية عبر الإنترنت تعطينا استنتاجات مختلفة، ففضلا عن مدى ثقتنا في النوايا الطيبة للشركات التي تستخدم بيانات المستخدمين كسلعة تجارية، هناك الكثير من المخاطر الواردة حال تعرض هذه البيانات للاختراق والسرقة، حيث يمكن تحليلها واستنباط الكثير من البيانات عن الأشخاص الحقيقيين الصادرة عنهم هذه الإحصائيات.

 

في المحصلة النهائية، فإن كل تقدم تقني عملة ذات وجهين، فهو يفتح آفاقا رحبة للمزيد من الحياة المترفة والتطور في المجالات الصحية والاجتماعية المختلفة، وفي نفس الوقت قد ينذر بالمزيد من السيطرة والتطفل على الحياة الشخصية للبشر.

 

 

 

المصادر:

https://rdcu.be/dCUvs