شركات التقنية لا تحبك ج1: أنت لا تملك الجهاز الذي اشتريته
يصدر هاتف جديد بمواصفات رائعة وبسعر أعلى من سابقيه فتشتريه بسبب رغبتك في اقتناء جهاز بتلك المواصفات، وتجد عدة تطبيقات مثبتة بشكل افتراضي لا تعنيك وعندما تحاول إزالتها لا تتمكن من فعل ذلك، وبعد مرور فترة الضمان يتعرض الهاتف لتلف أحد أجزائه وهو ليس جزءا يمكنك الحصول عليه بنفسك واستبداله فتجد نفسك أمام خيار إصلاحه في مركز صيانة معتمد من الشركة المصنعة للهاتف بسعر كبير أو في مكان آخر بسعر أقل بفارق واضح، وتبدأ بالتساؤل عن سبب الفارق الكبير في السعر بين هذين الخيارين. بعد أن أصلحت الهاتف ظل يعمل بكفاءة لوقت طويل لكنك تلاحظ أنه لم يعد يتلقى تحديثات لنظام التشغيل، وبعد فترة أخرى لم يعد يتلقى تحديثات الأمان كذلك، تشعر بالقلق فتبدأ بالبحث عن طرق لفعل هذا بشكل يدوي وتجد أن مواصفات هاتفك الجيدة يمكنها تحمل النسخ الأحدث من نظام التشغيل لكن الشركة ستتوقف عن إرسال هذه التحديثات على أي حال، بل وستمنعك من تثبيتها بشكل يدوي.
ربما تعرضت لهذا السيناريو أو بعض أجزائه لكن هل طرحت نفس التساؤلات واستوقفتك ذات الملاحظات؟ هذا جزء من توجه متصاعد لدى شركات التقنية لفرض المزيد من التحكم على الأجهزة التي تصنعها وتقييد ما يمكن للمستخدم فعله بها. تتربح الشركات من هذه القيود بطرق كثيرة، فتتقاضى مبالغ كبيرة مقابل وضع تطبيقات معينة بشكل مسبق في الهواتف والحواسيب وترتفع هذه المبالغ لجعل تلك التطبيقات غير قابلة للإزالة (دون معرفة تقنية كافية)، وتربح الشركة من احتكار عمليات الإصلاح عبر التحكم في أسعار قطع الغيار والسماح لمقدمي خدمات تصليح محددين بتقديم هذه الخدمة لقاء مقابل يدفعونه للشركة، ومن خلال تقييد التحديثات التي تتلقاها الأجهزة تدفع الشركة المستخدم لشراء أجهزة جديدة حتى إذا كانت الأجهزة القديمة تعمل بكفاءة ويمكن لمكوناتها مواصلة العمل لعدة سنين قادمة، كما تتربح الشركة أيضا من بيع إكسسوارات تتوافق مع منتجاتها بينما تصعّب على المصانع الأخرى تصنيع مثل تلك المنتجات، أو حتى تصنعها المصانع الأخرى بجودة أقل أو بمشاكل في توافقها مع الأجهزة، ولكل تلك الأسباب تفضل شركات التقنية زيادة القيود التي تفرضها على الأجهزة التي تبيعها.
لا زالت الشركة تملك جهازك
في السابق كانت أجزاء الهواتف أكثر قابلية للإزالة والاستبدال، وبعضها كان قابلا للاستبدال بواسطة المستخدم العادي مثل البطاريات، ومع مرور الوقت صارت هذه الأجزاء أكثر التحاما مع الهاتف، وانتقل هذا أيضا إلى الحواسيب اللوحية التي يتناقص فيها وجود البطاريات القابلة للإزالة مع الوقت كذلك، والأسوأ من ذلك أن الشركات تفرض قيودا على قطع الغيار الأصلية حتى لا يتمكن المستخدم أو متاجر الصيانة الخارجية من إصلاح الجهاز بقطع غيار أصلية في أي مكان آخر دون أن تتحكم الشركة بتلك العملية، وتبقي الشركات كذلك التصاميم الداخلية للجهاز ومكوناته المادية سرا كبيرا تحرص بشدة ألا يتعرض للتسريب، وتلك التصاميم هي ما يشرح بالتفصيل كيفية عمل كل جزء في الجهاز، وتتذرع في العادة بحقوق الملكية الفكرية، لكن عدم نشر تلك التصاميم يمنع متاجر الصيانة المستقلة من فهم مكونات الجهاز الداخلية جيدا ويجعلهم غير قادرين على إصلاحها فيلجؤون لاستبدالها بالكامل.
تحصل الهواتف على تحديثات أمنية وتحديثات لنظام التشغيل لمدد محددة تعتمد على الشركة المصنعة ثم تتوقف الشركة عن إرسال التحديثات للاهتمام بالهواتف الأحدث حتى إذا كانت تلك الهواتف قادرة على استيعاب تحديثات جديدة دون مشاكل، وإذا قرر المستخدم تخطي الشركة والبحث عن طرق لتحديث الهاتف بطريقة أخرى سيجد أن كل شركة تضع عراقيل مختلفة أمامه حال قرر الخروج عن سيطرتها على نظام الهاتف مثل العواقب التقنية التي تؤدي إلى استحالة فعل ذلك في بعض الهواتف أو عواقب أخف مثل خروج الهاتف من الضمان أو حتى توقف بعض مكونات الهاتف عن الاستجابة مثلما فعلت شركة سامسونج مع جهاز Galaxy Z Fold 3 فإذا أراد أحد مستخدمي هذا الجهاز الحصول على تحكم أكبر سيضطر للتضحية بالكاميرا التي ستتوقف عن العمل والاستجابة تماما بمجرد إلغاء قفل مشغل الإقلاع (bootloader). فرغم أنك تدفع ثمن الهاتف للشركة، إلا أنها ستظل تتحكم في مكوناته المادية وفي نظامه وفي التحديثات التي يتلقاها.
كم ندفع ثمنا لذلك؟
المستهلك والكوكب هما المتضرران الأساسيان من هذا الوضع، فبينما تعتمد شركات التقنية لتحقيق أكبر قدر من الأرباح على إجبار المستهلك على مواصلة شراء أجهزة جديدة بدلا من الاحتفاظ بجهازه الحالي وإطالة عمره، يتكبد المستهلك تكلفة شراء جهاز جديد عندما تصير تكلفة إصلاح الجهاز مقاربة لتكلفة الجهاز الجديد. في تقرير نشرته وول ستريت جورنال كانت تكلفة إصلاح جهاز ماك بوك إير تعرض للماء لدى شركة أبل $799 بينما يكلف شراء جهاز جديد $999، أي أن تكلفة إصلاح هذا العطب تصل إلى 80% من ثمن الجهاز الجديد، بينما لم يمكن إصلاحه في متجر صيانة غير مرتبط بشركة أبل لأن الشركة تحتكر قطع الغيار المطلوبة لإصلاح هذا العطب ولا تسمح ببيعها للمتاجر الأخرى ولأن التصميم الداخلي للجهاز غير متوفر، وهذا لا يقتصر بالطبع على الهواتف فالوضع مشابه في العديد من الأجهزة الإلكترونية، حيث تسعى الشركات دوما إلى امتلاك تقنيات فريدة واحتكارها من كل الجوانب حتى تستمر بالحصول على المزيد من الأموال من المستخدم، ويؤدي اضطرار المستخدم إلى تغيير الأجهزة إلى كم كبير من النفايات الإلكترونية، فيُقدر حجم النفايات الإلكترونية في العالم لعام 2021 بحوالي 53.6 مليون طن وفي مصر بحوالي 586 ألف طن، وعند التخلص من تلك الأجهزة تضيع كميات كبيرة من المعادن والمكونات الثمينة الموجودة بها، كما تتضرر البيئة بشدة من المكونات الضارة التي يتم التخلص منها دون إعادة تدويرها على نحو سليم والتي يكون لبعضها تأثيرات بيئية خطيرة، بينما تواصل كبرى شركات التقنية ادعاءاتها ببذلها كل الجهود الممكنة للحفاظ على البيئة والحد من التأثير السيئ لمنتجاتها عليها، لكن الواقع أن تلك الشركات تضع أولوية الربح فوق كل تلك الاعتبارات.
ونتيجة لتلك الممارسات الاحتكارية بدأت الكثير من الأصوات تتصاعد بشأن الحق في الإصلاح وتطالب بتقويض صلاحيات شركات التقنية في التحكم بالأجهزة التي تبيعها حتى تصير الأجهزة بالفعل ملكا لمن يشترونها، وتحاول بعض الدول صياغة قوانين لحماية المستهلك من تلك الممارسات لكن لا زالت تلك الشركات تجد طرقا لفرض سيطرتها على المستخدم بطريقة أو بأخرى، فهذه ليست الممارسات الاحتكارية الوحيدة لشركات التقنية. سنواصل في الجزء القادم الحديث عن ممارسات شركات التقنية التي لا تصب أبدا في صالح المستخدم.