احذر البرامج المجانية
من يحب دفع المال؟ خصوصا إذا ما كان الخيار بين الحصول على شيء بمقابل والحصول عليه مجانا، علينا التفكير أولا في كيفية وصول هذا الشيء إلينا دون مقابل، وإذا ما كان يكلف صانعيه المال، فهل من المنطقي أن يعطوه لنا دون أي مقابل؟ هذا تحديدا ما يجب أن يحذر مستخدمي التكنولوجيا منه، فتطوير التقنيات الحديثة مكلف جدا، وتشغيل بعضها هو تكلفة مستمرة، فمثلا خدمة اليوتيوب تكلف شركة ألفابيت (جوجل) أموالا طائلة أولا في تطويرها لأن على الشركة دفع مرتبات عالية للمبرمجين الذين يصلحون الأخطاء في المنصة ويضيفون مزايا جديدة ويعالجون الثغرات التي تظهر باستمرار، وثانيا في تشغيلها لأن هذه الخدمة تعمل على توفير محتوى ضخم جدا للاستهلاك عبر الإنترنت، وهذا يعني استضافة هذا المحتوى على خوادم الشركة، فحتى إذا توقف يوتيوب عن التطور واكتفى بالحالة التي وصل إليها وتوقف عن تصليح الأخطاء لا زال عليه تحمل تكاليف تشغيل الخدمة طوال الوقت، لهذا يطلب يوتيوب من المستخدم المساهمة في تحمل التكاليف إما عبر دفع اشتراك شهري أو عبر مشاهدة الإعلانات التي تقاطع فيديوهات يوتيوب، فيدفع المعلنون المال إلى يوتيوب نظير عرض هذه الإعلانات على المشاهدين، لهذا يجب عليك الدفع بطريقة أو بأخرى. لاحظ أنك عندما تدفع للاشتراك تصبح خدمة يوتيوب سلعة تشتريها، أما عندما تستخدم تلك الخدمة مجانا تصبح أنت السلعة التي يبيعها يوتيوب للمعلنين.
لاحظ أنه في هذا النموذج الذي تصبح أنت فيه السلعة عبر عرض الإعلانات لك فإنك أيضا تدفع نظير هذه الخدمة، لكن ليس بالمال، إنما ببياناتك الشخصية، فصناعة التسويق تقوم على جمع أكبر كم من البيانات عن المستخدمين ثم إغراء المعلنين باستهداف الجمهور بدقة، فتجمع عنك شركة ميتا مثلا (المالكة لفيسبوك وإنستجرام وواتساب وثريدز وغيرها) كما ضخما من البيانات عنك بوسائل كثيرة جدا فتعرف عنوانك ودراستك واهتماماتك ومستوى دخلك وآراءك السياسية وحالتك الاجتماعية وحتى رغباتك وطموحاتك والأشياء التي اشتريتها مؤخرا والعديد من التفاصيل التي تسمح لشركة مثلا بتوجيه إعلانها إلى المستخدمين الذين لديهم كلابا أليفة في منطقة محددة ولديهم دخل مادي عالٍ وربما يفكرون بتبني الأطفال، أو النساء الحوامل اللاتي لديهن أطفال بالفعل ويهوين القراءة عن الجريمة، وهذه الأمثلة لا زالت أقل إشكالية بكثير من الاستخدامات الفعلية لهذه الخدمات والتي قد تم استخدامها بالفعل للتلاعب بالرأي العام في بعض الدول وتغيير مسارات الانتخابات.
ماذا إذا قمت بتفعيل برنامج مدفوع بالكراك؟
فكرة سيئة جدا. يلجأ الكثيرون إلى الكراك (crack) لتفعيل البرامج المدفوعة مجانا، والكراك هو أداة للتلاعب بالبرنامج من أجل تعطيل وسيلة التحقق من الدفع، أو وضع علامة تحقق وهمية تجعل البرنامج يظن أن المستخدم قد قام بالدفع بالفعل، أو استخدام طرق مختلفة لكسر رمز التفعيل، وتطلب تلك البرامج من المستخدم عند تنصيبها الموافقة على إعطاء الكراك صلاحية كاملة لفعل كل ما يحلو له بالجهاز، وهنا تكمن المشكلة، فلماذا تعتقد أن مطوري هذا الكراك قد أمضوا وقتهم وجهدهم وربما أموالهم في صناعة هذا الكراك واختباره ونشره؟ من أجل سواد عيونك؟ لا شك أن عيونك فاتنة بالطبع لكنهم غالبا لا يعلمون هذا. غالبا ما تحتوي برامج الكراك على برمجيات خبيثة تقوم باستغلال موارد الجهاز أو التجسس على مستخدمه أو حتى تشفير محتوياته وطلب الفدية حتى يتمكن المستخدم من استعادة ملفاته.
(للمزيد: برامج الفدية، ما هي وكيف أحمي نفسي من آثارها؟)
لهذا لا ننصح أبدا باستخدام الكراك، وإذا لم يكن بوسعك الحصول على البرامج المدفوعة يمكنك استخدام البرامج المجانية… لكن مهلا، ألم أقل للتو إن البرامج المجانية فكرة سيئة؟
في الواقع، ليس كلها.
البرمجيات الحرة… نصير الغلابة
البرمجيات الحرة هي برمجيات يتم تطويرها وإتاحة كودها المصدري للجميع دون قيود على عرضه أو توزيعه أو حتى تعديله، وطالما أن الكود المصدري (الأوامر التي تخبر البرنامج ماذا يفعل تحديدا) متاحة ومعروفة، فإنها عادة ما تكون آمنة وليس لديها ما تخفيه، وكثيرا ما يصنع المطورون البرمجيات الحرة بشكل تطوعي، أو تنشر الشركات برمجيات حرة كمساهمة مجتمعية، أو تقوم جمعيات ومنظمات غير ربحية بتمويل البرمجيات الحرة عبر جمع التبرعات والمنح لتطوير تلك البرمجيات الحرة وتقديمها مجانا، ولهذا فإن البرمجيات الحرة ليست دوما بنفس جودة البرمجيات الاحتكارية، فهي عادة ما تعمل بميزانية أقل بكثير، وكثيرا ما تقوم على المجهودات التطوعية بالكامل ويعمل عليها المطورون في أوقات فراغهم أو كمشاريع للتدرب على البرمجة، ولهذا تكون مجانية.
(المزيد: متى ننتقل للبرمجيات مفتوحة المصدر؟)
لكن يجب ملاحظة أن تلك البرمجيات أيضا عادة ما تكون برمجيات لا تكلف سوى تطويرها، أي أنها لا تتحمل نفقات مستمرة، فمؤسسة موزيلا غير الربحية مثلا تقدم برنامج موزيلا فايرفوكس مجانا، لكنها عندما تقدم خدمة VPN فإنها تقاضي مستخدميها المال نظير استخدام تلك الخدمة، لأن المتصفح لن يكلف المؤسسة شيئا كلما استخدمه الناس، لكن خدمة الـ VPN تحتاج تكاليف مستمرة لتشغيلها، لهذا يجب التفكير بشكل نقدي في الخدمات المجانية التي نراها، لماذا هي مجانية؟ ما التكاليف التي تحتاجها هذه الخدمة للعمل؟ هل من المنطقي أن أحصل على هذه الخدمة بلا مقابل؟ وتظل القاعدة البسيطة: ستدفع بطريقة أو بأخرى، إلا في حالة البرمجيات الحرة غالبا (وهذا الاستثناء، وليس القاعدة).