هل يمكننا التخلي عن مايكروسوفت أوفيس؟
مايكروسوفت أوفيس، أو مايكروسوفت 365، هي أشهر حزمة برامج مكتبية على الإطلاق، وهي حزمة تتضمن برنامجا لتحرير الملفات النصية وبرنامجا لإعداد العروض التقديمية وبرنامجا للعمل مع جداول البيانات، بالإضافة إلى عدة برامج أخرى مفيدة في الأعمال المكتبية بطريقة أو بأخرى، ويعود تاريخ إصدارها إلى عام 1988 وهي اليوم من أشهر أساسيات العمل المكتبي، وتشترط شركات ومؤسسات كثيرة الإلمام بأساسيات استخدام تلك البرامج لقبول الموظفين الجدد، وصارت تلك البرامج متعارفا عليها في سوق العمل، وهذه البرامج ليست مجانية في معظم نسخها، فنسخ سطح المكتب المعروفة باسم مايكروسوفت أوفيس تتوفر عبر شراء رخصتها مرة واحدة مدى الحياة، وتلك المعروفة باسم مايكروسوفت 365 تتوفر باشتراك دوري يجب تجديده كلما انتهى، كما تتوفر نسخة مجانية عبر الويب لكنها نسخة محدودة يجب الاشتراك في مايكروسوفت 365 لتفعيل كافة المزايا بها، وهذا يجعل من أشهر مجموعة أدوات مكتبية في العالم برمجيات مغلقة لا يمكن للجميع تحمل تكلفتها، كما أنها في يد شركة واحدة تتحكم في سعرها وتجمع من خلالها بيانات المستخدمين. لهذا فإن البدائل المجانية لهذه البرمجيات أمر ضروري لضمان قدرة الجميع على الوصول إليها أو حتى فتح الملفات التي تستخدم تلك الصيغة، ولهذا فإن السؤال الذي سنحاول الإجابة عنه هنا هو ما إذا كان بإمكاننا التخلي عن حزمة مايكروسوفت أوفيس وما إذا كانت البدائل المجانية فعالة وجيدة.
صيغ الملفات
أهم ما يربط الناس بحزمة مايكروسوفت أوفيس تحديدا هو انتشارها وانتشار الملفات التي تنتج عن تلك الحزمة، مثل ملفات النصوص بصيغة docx مثلا، وهذا يعني أننا نتوقع من أي بديل نبحث عنه أن يكون قادرا على التعامل مع الملفات التي تنتجها تلك البرامج، لكن هذه الصيغة معقدة نسبيا بالمقارنة بصيغ أخرى يمكن للعديد التعامل معها بشكل مستقر، وتتفاوت قدرة البدائل على التعامل مع هذه الصيغة، لكن توجد مجموعة صيغ أخرى تدعى ODF (صيغة المستند المفتوح أو OpenDocument Format)، وتتميز تلك الصيغ باستقرارها واعتمادها لدى منظمة الأيزو وقد أصبحت متوفرة حتى في حزمة برامج مايكروسوفت نفسها، لكن يجب على المستخدم اختيارها يدويا بدلا من صيغ مايكروسوفت الافتراضية، ورغم التشابه الكبير بين الصيغتين إلا أن هناك العديد من الاختلافات، فصيغ ODF مثلا لا تدعم الماكرو الذي يسمح بأتمتة عدة عمليات، ورغم أن هذا يعني الاعتماد على العمل اليدوي بشكل أكبر، لكنه يقلل كثيرا من المخاطر التي يمكن أن تسببها تلك الخاصية، ويعطي استخدام تلك الصيغة حرية كبيرة في التعامل مع الملفات المنشأة باستخدامها ولا يضطر المستخدم للجوء إلى برامج مدفوعة أو المخاطرة بقلة التوافق مع البرامج الأخرى، وسنوضح في كل بديل صيغته الافتراضية ومدى توافقه مع صيغ حزمة مايكروسوفت المكتبية و ODF.
أهم البدائل
في الماضي كانت أشهر بدائل مايكروسوفت أوفيس المجانية هي حزمة تدعى أوبن أوفيس (OpenOffice) والتي توقف تطويرها وصارت تحديثاتها تقتصر على إصلاح الأخطاء وسد الثغرات، لكن بعد ذلك ظهرت العديد من البدائل التي تطورت عن ذلك وصار بعضها يمكن الاعتماد عليه بدرجات متفاوتة، سنعرض هنا بدائل مجانية فقط، ورغم أن أحدها ليس مفتوح المصدر، إلا أننا نؤكد تشجيعنا للبرمجيات مفتوحة المصدر لأسباب أمنية وعملية، مثل إمكانية قيام الجهات المستقلة بمراجعته للتأكد من كونه لا يحتوي وظائف خبيثة، وأن المستخدم لا يحتاج للقلق من تغير سياسة تلك البرمجية ووضع سعر عالٍ لاستخدامها مثلا.
البديل الأول: LibreOffice
ربما يكون ليبرأوفيس أشهر البدائل المجانية لحزمة مايكروسوفت أوفيس، وذلك لأنه الخليفة الأكثر تطورا لحزمة أوبن أوفيس التي يمتد تاريخها إلى عام 1985، ويقدم ليبرأوفيس خيارات جيدة ومتطورة لإنشاء وتعديل الملفات، ويتفوق على مايكروسوفت أوفيس في عمله على عدد أكبر من الأنظمة وسرعته بالمقارنة ببرامج مايكروسوفت أوفيس وخيارات التشفير فيه وكونه مفتوح المصدر وتوفيره للعديد من الخيارات التي تسمح بتخصيص طرق عمله وشكله وأدائه. الصيغ الافتراضية في ليبرأوفيس هي ODF، ويمكن لبرامجه عرض وتعديل أغلب الملفات المنشأة باستخدام حزمة مايكروسوفت أوفيس لكن قد تظهر بعض المشاكل في التوافق. ويتكون ليبرأوفيس من البرامج التالية:
- برنامج LibreOffice Writer
يقوم رايتر بإنشاء وتعديل الملفات النصية، تماما كبرنامج Word في حزمة برامج مايكروسوفت، ويتميز بقدرته على إنشاء ملفات PDF تُضمن بداخلها الملف القابل للتعديل، وهو ما يسمح بسهولة تداول الملف مع عدم الخوف من ضياع قدرتنا على تعديله بسهولة ويسر عند الحاجة. - برنامج LibreOffice Impress
يقوم إمبرس بإنشاء وتعديل العروض التقديمية كما يفعل برنامج PowerPoint في حزمة برامج مايكروسوفت، وهو عملي جدا إلا أنه متأخر في بعض النواحي عن منافسيه حيث تعتبر خيارات تعديل الصور فيه أقل من تلك الموجودة في باوربوينت، كما أنه لا يحتوي على أداة لتحميل القوالب مباشرة داخل البرنامج، لكن تلك العيوب ليست قاتلة، ولا تجعله بديلا ضعيفا لباوربوينت. - برنامج LibreOffice Calc
يقوم كالك بإنشاء وتعديل ومعالجة البيانات والجداول الحسابية مثل برنامج Excel في حزمة برامج مايكروسوفت، ويحتوي على العديد من الدوال التي تظل في تزايد مع التحديثات المستمرة، ربما يجد المستخدمون المعتادون تماما على إكسيل فروقا في طريقة العمل، لكن كالك يوفر تجربة غنية وبديلا جيدا عن إكسيل.
كانت تلك أشهر البرامج في الحزمة لكنها ليست الوحيدة، فتتضمن الحزمة أيضا: - برنامج LibreOffice Base لإنشاء قواعد البيانات واستخراج المعلومات منها وعمل حسابات عليها حسب الحاجة، وهو يشبه برنامج Access في حزمة برامج مايكروسوفت.
- برنامج LibreOffice Draw لإنشاء الرسوم البيانية البسيطة والمعقدة
- برنامج LibreOffice Math لإنشاء المعادلات الرياضية واستخدامها داخل البرامج الأخرى
لا يعمل ليبرأوفيس بشكل مباشر على الهاتف، إنما يمكن استخدام برامج Collabora المبنية على ليبرأوفيس على أنظمة أندرويد و iOS وكروم أو إس، والذي يمكن استضافته ذاتيا كذلك على عكس برامج مايكروسوفت.
البديل الثاني: Google Docs
تتميز حزمة جوجل المكتبية بأنها تعمل على المتصفح مباشرة، وهذا ما يسهل استخدامها دون تنصيب على الجهاز، ويضمن عملها على أي نظام تشغيل يدعم المتصفحات الحديثة، لكنه لا يعمل بنفس الكفاءة على متصفح فايرفوكس والمتصفحات المبنية عليه، ورغم أن استخدام برامج جوجل المكتبية مجاني، لكن تلك البرامج ليست مفتوحة المصدر، مما يعني سيطرة جوجل الكاملة عليها، ورغم أننا لا نفضل ترشيح البرمجيات المغلقة بديلا عن برمجيات مغلقة أخرى، لكننا وضعنا برامج جوجل المكتبية لأنها مجانية وسهلة في الوصول إليها، وبإمكانها كذلك العمل بشكل محدود قليلا دون إنترنت على المتصفحات المبنية على كروميوم مثل متصفح جوجل كروم. من ناحية صيغ الملفات فإن تلك الحزمة لديها صيغها الخاصة المغلقة، لكن بوسعها استيراد وتصدير الملفات بصيغ حزمة مايكروسوفت وكذلك ODF، ولا تحتوي حزمة Google Docs سوى على ثلاثة برامج هي Docs للملفات النصية و Slides للعروض التقديمية و Sheets لجداول البيانات، كما أن تلك الحزمة تتكامل جيدا مع خدمة جوجل السجابية Google Drive وباقي منتجات جوجل، لكنها من ناحية أخرى تساهم في حبس المستخدم داخل قلعة خدمات جوجل لقلة تكاملها مع الخدمات الأخرى. ومن أهم عوامل انتشار حزمة جوجل المكتبية وجودها مسبقا على الكثير من الهواتف التي تعمل بنظام أندرويد، وهو نظام التشغيل الأكثر استخداما في العالم حاليا.
البديل الثالث: OnlyOffice
يتميز أونلي أوفيس بتوفره على أنظمة ويندوز ولينكس وماك أو إس وأندرويد و iOS وكذلك عبر الويب ويمكن استضافته ذاتيا، لكن ربما أهم ما يميزه هو توافقه العالي مع حزمة مايكروسوفت أوفيس، والتي يستخدم صيغها بشكل افتراضي، أهم ما يعيب حزمة أونلي أوفيس هو دعمها المحدود للغة العربية، وقد جاء هذا الدعم حديثا فقط ولا زال بحاجة إلى التطوير. لا يقدم أونلي أوفيس العدد الكبير من الخيارات التي يقدمها ليبرأوفيس لكنه يتفوق على ليبرأوفيس في وجود برنامج مخصص لإنشاء الاستمارات بصيغة PDF، كما أن بإمكانه عرض ملفات PDF وتعديلها بشكل مبدئي. يعتبر أونلي أوفيس من ناحية الشكل أجمل من ليبرأوفيس وربما يكون استخدامه أسهل قليلا، لكنه لا يتفوق عليه في العديد من النواحي الأخرى.
في النهاية تتوقف قدرتنا على التخلي عن مايكروسوفت أوفيس على عدة عوامل، مثل قدرتنا على الاعتياد على برمجيات جديدة، فأشهر البدائل رغم تشابهها الكبير مع مايكروسوفت أوفيس لن تكون نسخة عنه بالتأكيد. ومن العوامل الأخرى مدى تداخل ملفات مايكروسوفت أوفيس مع أعمالنا، فإذا كنت في شركة تعتمد بشكل كبير على منتجات مايكروسوفت وتشارك الملفات للاطلاع والتعديل عليها عبر خدمات مايكروسوفت السحابية، فسيكون الاعتماد على حزمة برامج مكتبية أخرى غير مايكروسوفت أوفيس هدرا للوقت والجهد، أما إذا كنت في بيئة عمل مرنة في هذا السياق، أو كان استخدامك لا يعتمد كثيرا على صيغ مايكروسوفت أوفيس تحديدا فإن الانتقال إلى بدائل حرة سيوفر تكلفة الاشتراك كما سيضمن حرية أكبر في التعامل مع ملفاتك الآن وفي المستقبل.